رواه أبو داود (١). فإن دلت إحدى الروايتين على عدم جواز الصلاة إلا بفاتحة الكتاب دلت الأخرى على جوازها بلا فاتحة الكتاب، فيعمل بالحديثين ولا نهمل أحدهما بأن نقول بفرضية مطلق القراءة، وبوجوب قراءة فاتحة الكتاب، وهذا هو العدل في باب إعمال الأخبار.
وأيضًا فإن قوله:"فما زاد" دلالة على فرضية ما زاد على الفاتحة، وليس ذاك مذهب الخصم.
وجواب آخر: أن الحكم يثبت بقدر دليله، وخبر الواحد ليس قطعيًّا فلا تثبت به الفرضية، نعم يثبت به الوجوب، ونحن نقول به، فإن كان الخصم يقول: الواجب والفرض عندي سواء، فنقول حينئذ: النزاع لفظي.
وجواب آخر: أن قوله: "خداج" قد ذكرنا أن معناه: ناقص، ونحن نقول أيضًا: إن المصلي إذا لم يقرأ فاتحة الكتاب تكون صلاته ناقصة، وأما الاستدلال به على أنها تكون باطلةً باطلٌ؛ لأن معنى الخداج لا ينبئ عن ذلك بل قوله في الحديث:"غير تمام" يرد هذا؛ فإن عدم كونها تمامًا لا يستلزم البطلان، وهذا ظاهر.
فإن قيل: هذه الأخبار تلقتها الأمة بالقبول فصارت كالمشهور، وبالمشهور تثبت الفرضية.
قلت: سلمنا إذا لم يعارضه دليل آخر، فالله تعالى نص بقوله:{مَا تَيَسَّرَ} فمتى عيَّنَا الفاتحة فرضًا ينقلب اليسر عسرًا، وهو خلاف النص فيرد، فافهم.
ثم إنه أخرج حديث أبي الدرداء من طريقين صحيحين:
الأول: عن بحر بن نصر بن سابق الخولاني أبي عبد الله المصري وثقه ابن يونس، عن عبد الله بن وهب من رجال الجماعة، عن معاوية بن صالح بن حدير الحمصي قاضي الأندلس من رجال مسلم والأربعة، عن أبي الزاهرية الحمصي واسمه حدير بن كريب من رجال مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه، عن كثير بن مرة الحضرمي