ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فكانت هذه الآثار المروية عن رسول الله - عليه السلام - في التكبر في كل خفض ورفع أظهر من حديث عبد الرحمن بن أبزى، وأكثر تواترًا، وقد عمل بها من بعد رسول الله - عليه السلام - أبو بكر وعمر وعلي -رضوان الله عليهم- وتواتر بها العمل إلى يومنا هذا، لا ينكر ذلك منكر، ولا يدفعه دافع، ثم النظر يشهد له أيضًا، وذلك أنا رأينا الدخول في الصلاة يكون بالتكبير، ثم الخروج من الركوع والسجود يكونان أيضًا بالتكبر، وكذلك القيام من القعود يكون أيضًا بالتكبر، فكان ما ذكرنا من تغير الأحوال من حال إلى حال قد أُجمع أن فيه تكبيرًا، فكان النظر على ذلك أيضًا أن يكون تغير الأحوال أيضًا من القيام إلى الركوع وإلى السجود فيه أيضًا تكبير؛ قياسًا عك ما ذكرنا من ذلك، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.
ش: أراد بالآثار المرويّه: الأحاديث التي أخرجها عن عبد الله بن مسعود وأبي مسعود البدري وأبي هريرة وأبي موسى الأشعري وأنس بن مالك - رضي الله عنهم - وأشار إلى ترجيحها على حديث عبد الرحمن بن أبزى الذي احتج به أهل المقالة الأولى بأوجه أربعة:
الأول: أن هذه أظهر من حديث ابن أبزى في صحة الأسانيد وإتقان الرواة، وأنها أكثر تواترًا وأشد اشتهارًا بين الخاصة والعامّة، وقد عرف أن من جملة أسباب الترجيح كثرة عدد الرواة وشهرة المروي، حتى إذا كان أحد الخبرين يرويه واحد والآخر يرويه اثنان، فالذي يرويه اثنان أولى بالعمل به، واستدلوا على ذلك بمسألة كتاب الاستحسان في الخبر بطهارة الماء ونجاسته، وحل الطعام وحرمته، أنه إذا كان المخبر بأحد الأمرين اثنين، وبالآخر واحدًا، فإنه يؤخذ بخبر الاثنين؛ وهذا لأن خبر المثنى حجة تامة في باب الشهادات، بخلاف خبر الواحد، فطمأنينة القلب إلى خبر المثنى أكثر، وقد اشتهر عن الصحابة - رضي الله عنهم - الاعتماد على خبر المثنى دون الواحد.