جلس أدخلها في ذراعه وكان كثير الولوج عليه - عليه السلام -، وقال له رسول الله - عليه السلام -: "إذنك علي أن ترفع الحجاب وأن تسمع سوادي"(١). والسواد: السرار.
ووائل بن حجر أسلم في المدينة في. سنة تسع من الهجرة وبين إسلاميهما اثنان وعشرون سنة، فحينئذ يحفظ ابن مسعود عن النبي - عليه السلام - ما لا يحفظه وائل وأمثاله، وابن مسعود أفهم بأفعال النبي - عليه السلام - وأكثر تحقيقًا لها ولهذا قال إبراهيم للمغيرة حين قال:"إن وائلًا حدث أنه رأى النبي - عليه السلام - يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع": "إن كان وائل رآه مرة يفعل ذلك فقد رآه عبد الله خمسين مرة لا يفعل ذلك"، والحال أن رسول الله - عليه السلام - كان يحب أن يليه المهاجرون في الصلاة ليحفظوا عنه أفعال الصلاة ويعلموها الناس، ولا شك أن عبد الله من المهاجرين القدماء وممن كان يليه - عليه السلام -، فيكون حفظه أفعال النبي - عليه السلام - وفهمه إياها أقوى من حفظ وائل وفهمه الذي كان ممن يتأخر عنهم في الصلاة وغيرها، فإذا كان كذلك يكون ما حكوا عن عبد الله أقوى مما حكوه عن وائل وأمثاله، ثم أشار إلى الاعتراض من جهة الخصم بقوله "فإن قالوا: ما ذكرتموه عن إبراهيم عن عبد الله غيره متصل" بيانه: أن خبر وائل بن حجر متصل، وخبر إبراهيم عن عبد الله منقطع، فكيف يضاده ويعارضه؟ وشرط التضاد والمعارضة المساواة بين الخبرين، فالمنقطع بمعزل عن المتصل فلا يضاده ولا يعارضه، بيان الانقطاع: أن إبراهيم لم يدرك عبد الله؛ لأن عبد الله توفي سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة بالمدينة وقيل بالكوفة. ومولد إبراهيم سنة خمسين كما صرح به ابن حبان، وقال الكلاباذي: سنة ثمان وثلاثين. والله أعلم.
وأجاب عنه بقوله:"قيل لهم إن إبراهيم ... إلى أخره" بيانه أن إبراهيم: كان من عادته أنه إذا أرسل حديثًا عن عبد الله لم يرسله إلا بعد صحته عنده من الرواة عنه، وبعد تكاثر الروايات عنه؛ ألا ترى أن سليمان بن مهران الأعمش لما قال له: إذا
(١) أخرجه ابن ماجه (١/ ٤٩ رقم ١٣٩)، وأحمد (١/ ٣٨٨ رقم ٣٦٨٤).