قوله:"والنهى" بضم النون جمع نُهية -بضم النون وسكون الهاء- وهي العقل ويقال: بفتح النون أيضًا لأنه ينهى صاحبه عن الرذائل، وكذلك العقل لعقله وهو مأخوذ من عقال البعير، وكذلك الحكمة من حَكْم البعير، وهي حديدة لجامها التي تمنعها عن العدول عن الاستقامة، وقيل: أولوا النهى؛ لأنه ينتهي إلى رأيهم واختياراتهم لعقلهم، ويقال رجل نهٍ ونهي، من قوم نَهِين. وقال أبو علي الفارسي: يجوز أن يكون النهى مصدرًا كالهدى وأن يكون جمعًا كالظُّلَم، قال: والنهى معناه في اللغة الثبات والحبس، ومنه النِّهى والنَّهى -بكسر النون وفتحها- والتنهية للمكان الذي ينتهي إليه الماء فيستنقع، قال الواحدي: فيرجع القولان في اشتقاق النهية إلى قول واحد وهو الحبس، فالنهية هي التي تنهى وتحبس عن القبائح.
قلت: التنهية -بفتح التاء المثناة من فوق وسكون النون وكسر الهاء وفتح الياء آخر الحروف- وقال في الصحاح: تنهية الوادي حيث ينتهي إليه الماء من حروفه والجمع: التناهي.
فإن قيل: ما وجه هذا العطف؟
قلت: إن فسر "أولوا الأحلام" بالعقلاء يكون عطف قوله: "والنهى" على "الأحلام" للتأكيد؛ لأن المعنى واحد وإن اختلف اللفظ، وإن فسر "أولوا الأحلام" بالبالغين يكون المعنى: ليقرب مني البالغون العقلاء.
فإن قيل: ما وجه تخصيصهم بذلك؟
قلت: لاستخلافه إن احتاج ولتبليغ ما سمعوه منه، وضبط ما يُحَدِّثُ عنه، والتنبيه على سهو إن وقع؛ ولأنهم أحق بالتقدم، وليقتدي بهم من بعدهم، وكذا ينبغي لسائر الأئمة الاقتداء بسيرته - عليه السلام - في كل حال من جموع الصلاة، ومجالس العلم والذكر، ومجالس الرأي ومعارك القتال.
قوله:"ثم الذين يلونهم" معناه الذين يقربون منهم في هذا الوصف، وبه استدل أصحابنا في ترتيب الصفوف، فقال صاحب "الهداية": ويصف الرجال ثم الصبيان