ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: وكان من الحجة لهم أيضًا: أنه قد يجوز أن يكون ما كان من النبي - عليه السلام - في الآثار الأول إنما كان قبل نزول الآيتين اللتين ذكرتا في حديث عقبة - رضي الله عنه - فلما نزلتا أمرهم النبي - عليه السلام - بما أمر به من ذلك، وكان أمره ناسخًا لما قد تقدم من فعله.
ش: أي وكان من الدليل والبرهان لأهل المقالة الثانية فيما ذهبوا إليه: "أنه قد يجوز ... " إلى آخره، وهذا ظاهر، وهذا في الحقيقة جواب عن الآثار المتقدمة التي احتجت بها أهل المقالة الأولى.
فإن قيل: ما وجه هذا النسخ، والنسخ لا يكون إلا فيما يعلم بالتاريخ فيما بين النصين، فيكون المتأخر منهما ناسخًا للمتقدم، وأيضًا قوله:"قد يجوز أن يكون ... " إلي آخره احتمال، وقد نص أهل الأصول، أن النسخ لا يثبت بالاحتمال؟
قلت: قد تكون دلالة التاريخ تقوم مقام التاريخ عينه، كما إذا كان أحد النصين موجبًا للحظر والآخر موجبًا للإباحة، ففي مثل هذا يثبت النسخ بدلالة التاريخ, وهو أن النص الموجب للحظر يكون متأخرًا عن الموجب للإباحة، فكان الأخذ به أولى؛ وذلك لأن الأصل في الأشياء الإباحة، من ضرورة ذلك يعلم أن الموجب للحظر طارئ عليه متأخر عنه، فيكون ناسخًا له بدلالة التاريخ، وكذلك فيما نحن فيه؛ لأن أمره - عليه السلام - بقوله:"اجعلوها في ركوعكم، اجعلوها في سجودكم" تقييد بعد إطلاق، وتخصيص بعد تعميم، فيكون ذلك رفعًا لما كان من فعله، وهذا هو النسخ، وهذا الذي لاح لي في هذا المقام من الأنوار الربانية والأسرار الرحمانية.
ص: وقد روي عن رسول الله - عليه السلام - أيضًا أنه كان يقول في ركوعه وسجوده ما أمر به في حديث عقبة كما حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا سعيد بن عامر وبشر بن عمر، قالا: ثنا شعبة، عن سليمان، عن سعد بن عبيدة، عن المستورد، عن صلة بن زفر، عن حذيفة:"أنه صلى مع رسول الله - عليه السلام - ذات ليلة، فكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى".