وقد ذكرنا في باب "رفع اليدين في افتتاح الصلاة" أن أبا داود أخرج هذا الحديث بهذا الإسناد.
وأخرج الترمذي (١): عن محمود بن غيلان، قال: نا أبو داود الطيالسي، قال: ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، قال: حدثني عمي، عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال:"كان رسول الله - عليه السلام - إذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد".
قال أبو عيسى: حديث علي حديث حسن صحيح.
قوله:"ملء السماوات" بنصب الهمزة ورفعها، والنصب أشهر، وهو الذي اختاره ابن خالويه ورجحه، وأطنب في الاستدلال له، وجوز الرفع على أنه مرجوح. وحكي عن الزجاج: أنه يتعين الرفع، ولا يجوز غيره، وبالغ في إنكار النصب.
قلت: أما انتصابه: فعلى أنه صفة لمصدر محذوف، أي: حمدًا ملء السماوات والأرض، وأما الرفع: فعك أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هو ملء السموات والأرض، ثم المِلء -بكسر الميم-: ما يأخذه الإناء إذا امتلأ، والمَلْء -بالفتح- مصدر ملأت الإناء فهو مملوء، ودلو مَلأَى على فَعْلى، وكوز ملآن ماءً، والعامة تقول: مَلِيء ماءً. وها هنا بكسر الميم.
وفيه: إشارة إلى الاعتراف بالعجز عن أداء حق الحمد بعد استفراغ المجهود؛ فإنه - عليه السلام - حمده ملء السماوات والأرض وهذه نهاية أقدام السابقين، وهذا تمثيل وتقريب، والكلام لا يقدر بالمكاييل ولا تسعه الأوعية، وإنما المراد منه تكثير العدد حتى لو خمدر أن تكون تلك الكلمات أجسامًا تملأ الأماكن لبلغت من كثرتها ما يملأ السماوات والأرض.