للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما حديث ميمونة فأخرجه الترمذي (١): بإسناده إلى ابن عباس قال: حدثتني ميمونة قالت: "كنت أغتسل أنا ورسول الله - عليه السلام - من إناء واحدٍ من الجنابة"، وقال هذا حديث حسن صحيح.

ص: فقد روينا في هذه الآثار تَطَهُّرِ كل واحد من الرجل والمرأة بسؤر صاحبه، فضاد ذلك ما روينا في أول هذا الباب؛ فوجَبَ النظر ها هنا لنستخرج به من المعنين المتضادين معنى صحيحا، فوجدنا الأصل المتفق عليه أن الرجل والمرأة إذا أخذ بأيديهما الماء معا من إناء واحد أن ذلك لا ينجس الماء، ورأينا النجاسات كلها إذا وقعت في الماء قبل أن يتوضأ منه أو مع التوضيء منه أن حكم كل ذلك سواء، فلما كان ذلك كذلك وكان وضوء كل واحد من الرجل ومن المرأة مع صاحبه لا ينجس الماء عليه؛ كان وضوءه بعده من سؤره في النظر أيضًا كذلك، فثبت بهذا ما ذهب إليه الفريق الآخر، وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن.

ش: أراد بهذه الآثار: الأحاديث التي وردت عن عائشة، وأم سلمة، وأم صُبَيَّة، وأنس، وابن عباس - رضي الله عنهم -.

وأراد بما روينا في أول هذا الباب: حديث عبد الله بن سرجس، والحكم الغفاري. وجه التضاد بينهما ظاهر؛ لأن أحاديث أول الباب تمنع اغتسال الرجل بفضل المرأة واغتسال المرأة بفضل الرجل، وأحاديث عائشة ومن معها تطلق ذلك وتُجَوِّزه، ففي مثل هذا يطلب المخلص، ووجوهه كثيرة على ما عرف في موضعه، منها: يكون بدلالة التاريخ، وهو أن يكون أحد النصين موجبا للحظر والآخر موجبا للإباحة كما فيما نحن فيه، وكان الذي ينبغي على هذا أن تكون أحاديث أول الباب متأخرة عن الأحاديث الأخرى، ولكن هنا أبقى ما كان على ما كان؛ لكون الإباحة أصلًا فصارت الأحاديث [...] (٢) كالمنسوخة [...] (٣).


(١) "جامع الترمذي" (١/ ٩١ رقم ٦٢).
(٢) طمس في "الأصل، ك".
(٣) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>