ش: لما كان الخصم احتجوا على أصحابنا بحديث أبي هريرة هذا؛ ذكره ليجيب عنه، وتقرير الجواب عنه من وجهين:
الأول: أن قوله: "لا توتروا بثلاث" يحتمل كراهة الوتر من غير تطوع قبله من الشفع، ويكون المعنى: لا توتروا بثلاث ركعات وحدها من غير أن يتقدمها شيء من التطوع الشفع، بل أوتروا هذه الثلاث مع شفع قبلها ليكون خمسًا، وإليه أشار بقوله:"وأوتروا بخمس" أو أوتروا هذه الثلاث مع شفعين قبلها لتكون سبعًا، وإليه أشار بقوله:"أو بسبع" أي: أو أوتروا بسبع ركعات أربع تطوع وثلاث، وتر ولا تفردوا هذه الثلاث كصلاة المغرب ليس قبلها شيء، وإليه أشار بقوله:"ولا تشبهوا بصلاة المغرب" ومعناه: ولا تشبهوه بالمغرب في كونها منفردة عن تطوع قبلها ,وليس معناه لا تشبهوا بصلاة المغرب في كونها ثلاث ركعات والنهي ليس بوارد على تشبيه الذات بالذات، وإنما هو واردٌ على تشبيه الصفة بالصفة، فافهم.
ومع هذا فما ذكره نفي أن تكون الركعة الواحدة وترًا؛ لأنه أمر بالإيتار بخمس أو بسبع، ليس إلا.
الوجه الثاني: أن يكون معناه ما ذكره في حديث أبي أيوب في التخيير، وما ذكره هناك من الجواب فهو جواب ها هنا، هذا حاصل ما ذكره الطحاوي -رحمه الله-.
وجواب آخر: أن هذا مُعَارَض بما رواه الطحاوي والترمذي أيضًا من حديث الحارث، عن علي - رضي الله عنه -: "كان النبي - عليه السلام - يوتر بثلاث".
وبما أخرجه الحاكم في "مستدركه"(١) بإسناده إلى عائشة، قالت:"كان رسول الله - عليه السلام - يوتر بثلاث لا يسلِّم إلا في آخرهن". وقال: إنه صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه.