للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العصر ثم دخل بيتي فصلى ركعتين، فقلت: يا رسول الله - عليه السلام -، صليتَ صلاةً لم تكن تُصلِيها؟ قال: قدم مالٌ فشغلني عن ركعتين كنت أركعهما بعد الظهر فصليتها الآن. قلت: يا رسول الله، أفنقضيهما إذا فاتتانا؟ قال: لا".

فنهى رسول الله - عليه السلام - في هذا الحديث أحدًا أن يصليهما بعد العصر قضاءً عما كان يصليه بعد الظهر.

فدل ذلك على أن حكم غيره فيهما إذا فاتتاه خلاف حكمه، فليس لأحد أن يصليهما بعد العصر ولا أن يتطوع بعد العصر أصلًا.

وهذا هو النظر أيضًا؛ وذلك أن الركعتين بعد الظهر أيضًا ليستا فرضًا، فإذا تُركتا حتى تُصلَّى صلاة العصر، فإن صُلِّيتا بعد ذلك فإنما تطوع بهما مُصلِّيهما في غير وقت تطوع؛ فلذلك نَهَيْنا أحدًا أن يصلي بعد العصر تطوعًا، وجَعلْنا هاتين الركعتين وغيرهما من سائر التطوع في ذلك سواء.

وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن رحمهم الله.

ش: تقرير السؤال أن يقال: سلمنا ما ذكرتم من أن الصحابة كانوا ينهون عن هاتين الركعتين بعد العصر، وأن عمر - رضي الله عنه - كان يضرب الناس على ذلك، ولكن لا نسلِّم مع ذلك إذا كان يُصلّيهما قضاءً عما فاته من ركعتي الظهر، وهو مذهب الشافعي، فإن عنده إذا صلاهما قضاءً عنهما بعد العصر فلا بأس بذلك، وقد ذكرناه فيما مضى.

وتقرير الجواب أن يقال: إن ما ذكرتم إنما يصح إذا لم يكن فيه نهي أيضًا، وقد ورد النهي عن النبي - عليه السلام - عن قضائهما أيضًا إذا فاتتاه من الظهر، ألا ترى أن أم سلمة - رضي الله عنها - لما قالت: "قلت: يا رسول الله - عليه السلام -، أفنقضيهما إذا فاتتانا؟ قال: لا"، فنهى النبي - عليه السلام - أن يصليهما أحد بعد العصر قضاءً عما كان يصليه بعد الظهر، فعلم من ذلك أن الصلاة التطوع منهي عنها بعد العصر مطلقًا، فإذا صلاهما بعد العصر يكون متطوعًا قضاءً عن تطوع، والتطوع في غير وقت التطوع لا يجوز؛ فيدخل تحت النهي، وهو وجه النظر والقياس أيضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>