للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: فقد قال ابن حزم: وهذا الحديث لا حجة لهم لوجوهٍ أربعة:

أولها: أنه لا يصح لأنه من طريق معاوية بن صالح، لم يروه غيره، وهو ضعيف.

والثاني: أنه ليس في الحديث أنه لم يكن ركعهما، وقد يمكن أن يكون ركعهما ثم تخطى، ويمكن أن لا يكون ركعهما، فإذْ ليس في الخبر لا أنه ركع ولا أنه لم يركع؛ فلا حجة لهم فيه ولا عليهم.

والثالث: أنه حتى لو صح الخبر وكان فيه أنه لم يكن ركع؛ لكان ممكنًا أن يكون قبل أمر النبي - عليه السلام - مَنْ جاء والإمام يخطب بالركوع، وممكن أن يكون ركع؛ فإذ ليس فيه بيان بأحد الوجهين فلا حجة لهم ولا عليهم.

والرابع: أنه لو صح الخبر وصح أنه لم يكن ركع، وصح أن ذلك كان بعد أمره - عليه السلام - مَن جاء والإمام يخطب بأن يركع -وكل ذلك لا يصح منه شيء- لَمَا كانت لهم فيه حجة؛ لأننا لم نقل: إنهما فرض، وإنما قلنا: إنهما سنة يكره تركهما وليس فيه حكم صلاتهما فبطل تعلقهم بهذا الخبر الفاسد جملة.

قلت: كل هذا كلام فاسد ناشئ عن قلة فطانة ويُبس دماغ، وكيف يكون هذا الخبر فاسدًا وقد أخرجه أبو داود وسكت عنه وهو دليل الصحة عنده (١)، وكيف يضعف معاوية بن صالح وقد وثقه يحيى بن معين وأبو زرعة الإمامان في هذا الشأن، ووثقه العجلي والنسائي أيضًا، واحتج به مسلم في "صحيحه"، واحتجت به الأربعة أيضًا، وباقي كلامه خلط لا يستحق الجواب لسقوطه، والله أعلم.

ص: ولقد تواترت الروايات عن رسول الله - عليه السلام - بأن مَنْ قال لصاحبه: أَنْصت. والإمام يخطبُ يوم الجمعة فقد لغى، حدثنا بذلك يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - عليه السلام - قال: "إذا قلت لصاحبك: أنصت والإمام يخطب فقد لَغَوْت".


(١) في هذا نظر نبهنا عليه مرارًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>