في أصح روايتَيْه؛ فإنهم قالوا: تجوز صلاة المفترض خلف المتنفل، واحتجوا في ذلك بالحديث المذكور.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا يجوز لرجل أن يُصلي فريضةً خلف مَنْ يُصلي نافلةً.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعةً آخرون، وأراد بهم: الزهريّ والنخعي وسعيد بن المسيب والحسن البصري ومجاهدًا وأبا حنيفة ومالكًا وأبا يوسف ومحمدًا وأبا قلابة وربيعة بن أبي عبد الرحمن ويحيى بن سعيد الأنصاري وأحمد في رواية ابن الحارث وحنبلٍ؛ فإنهم قالوا: لا تجوز صلاة المفترض خلف المتنفل.
وقال ابن بطال: ولا اختلاف أعظم من اختلاف النيات؛ ولأنه لو جاز بناء المفترض على صلاة المتنفل لما شرعت صلاة الخوف مع كل طائفة بعضها، وارتكاب الأعمال التي لا تصح الصلاة معها في غير الخوف؛ لأنه - عليه السلام - كان يمكنه أن يصلي مع كل طائفة جميع صلاته وتكون الثانية له نافلة وللطائفة الثانية فريضة.
ص: وقالوا: ليس في حديث معاذ - رضي الله عنه - هذا إنما كان يُصلي بقومه نافلةً أو فريضةً، فقد يجوز أن يكون كان يصلي مع النبي - عليه السلام - نافلة ثم يأتي قومَه فيصلي بهم فريضة فإن كان ذلك كذلك فلا حجة لكم في هذا الحديث ويحتمل أن يكون كان يصلي مع النبي - عليه السلام - فريضة ثم يُصلي بقومه تطوعًا كما ذكرتم، فلما كان الحديث يحتمل الأمرين لم يكن أحدهما أولى من الآخر، ولم يكن لأحد أن يصرفه إلى أحد المعنيين دون المعنى الآخر إلا بدلالةٍ تدل على ذلك.
ش: أي قال الآخرون: ليس في حديث معاذ المذكور ...... إلى آخره.
حاصله: أن هذا له احتمالان كما ذكرهما، فلا يمكن الاحتجاج به متمسكًا بأحد الاحتمالين لعدم دليل يدل على ذلك، فإذًا سقط الاحتجاج به؛ لأن الذهاب إلى أحدهما بدون دليل ترجيح بلا مرجح فهو باطل.