رواية:"بالحمد فهو أقطع"، وفي رواية:"أجذم"، وفي رواية:"لا يبدأ فيه بذكر الله"، وفي رواية:"ببسم الله الرحمن الرحيم".
ومعنى "أقطع": قليل البركة وكذلك "أجذمُ" -بالجيم والذال المعجمة- ويقال فيه: جَذِم بكسر الذال يَجْذَمُ بفتحها، وقيل: الأجذم مقطوع اليد.
وقيل: الأبتر الذي لا عقب له.
فإن قيل: فلِمَ اقتصر أبو جعفر على ذكر البسملة، ولم يسلك منهج غيره من الابتداء بالبسملة والتَّثَنِّي بالحمدلة؟
قلت: الجواب عنه من وجوه:
الأول: لا نسلم أنه ترك الحمدلة؛ بل حَمِدهُ بعد التسمية بقوله: الرحمن الرحيم.
فإن الحمد هو الذكر بالوصف الجميل على وجه التفضيل، ولما ذكر الله تعالى بكونه رحمانًا رحيمًا أي موليًا لجلائل النعم ودقائقها، وذلك وصف له بالجميل على وجه التفصيل، صار آتيًا بحمد الله، وليس المراد من الحمد في الحديث الإتيان بلفظ الحمد بخصوصه، بل المراد منه الذكر؛ بدليل ما روي:"بذكر الله" بدل "حمد الله" كما مرّ.
الثاني: أن الذي اقتضاه لفظُ الحمد أن يَحْمدَ الله بلسانه لا أن يكتب حمده قراءة، فما يمنع أنه ذكر الله، تعالى بلسانه بعد التسمية عند افتتاح تصنيف الكتاب، ومن أين عُرف أنه تركه بلسانه عند الشروع؟!
الثالث: أن الافتتاح بالتحميد محمول على ابتداءات الخطب دون غيرها؛ زجرًا عما كانت الجاهلية عليه من تقديم الشعر المنظوم والكلام المنثور، وذلك ما روي:"أن أعرابيًّا خطب فترك التحميد، فقال - عليه السلام -: كل أمر ذي بال ... " الحديث (١).