فإن قلت: قد عرفنا أنه إذا غسل رأسه لا يستحق تلك الفضيلة فهل هو يغني عن المسح أم لا؟
قلت: نعم يجزئ؛ لأن المسح إصابة الماء، والغسل فيه الإصابة مع زيادة، وهي الإسالة، ولهذا لو صبّ على رأسه ميزاب أو ترك عليه مطر فأصاب قدر موضع المسح يجزئ عن المسح.
وفي "المغني" لابن قدامة: فإن غسل رأسه بدل مسحه فعلى وجهين:
أحدهما: لا يجزئه؛ لأن الله أمر بالمسح، والمسح غير الغسل.
والوجه الآخر: يجزئه، وهو قول ابن حامد؛ لأنه لو كان عليه جنابة فانغمس في ماء يقصد الطهارتين أجزأه مع عدم المسح، فكذلك إذا كان الحدث الأصغر مفردا. انتهى.
ومن أبين الدلائل على ما ذكرتُ حديث ابن عباس في وصفه وضوء علي - رضي الله عنهم - قال:"وأخذ بكفه اليمنى قبضة من ماء، فصبها على ناصيته، فتركها حتى تستن على وجهه -أي تسيل".
رواه أبو داود (١) وقد ذكرناه.
ص: وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيضًا ما يدل على ذلك.
حدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا إسرائيل، عن إسحاق، عن سعيد بن أبي كَرْب، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال:"رأى النبي - عليه السلام - في قدم رجل لمعة لم يغسلها، فقال: ويل للعراقيب من النار".
ش: أي قد روي عن النبي - عليه السلام - أيضًا ما يدل على أن وظيفة الرجلين الغسل لا المسح، ثم بيّنه بقوله:"حدثنا فهد ... " إلى آخره.