للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ص: وأما وجهه من طريق النظر: فإنا رأيناهم لا يختلفون في الكلب غير الأسود أن مروره بين يدي المصلي لا يقطع الصلاة، فأردنا أن ننظر في حكم الأسود هل هو كذلك أم لا؟ فرأينا الكلاب كلها حرام أكل لحومها ما كان منها أسود، وما كان منها غير أسود، وما كان منها غير أسود فلم تكن حرمة لحومها لألوانها ولكن لعلتها في أنفسها، وكذلك كل ما نهي عن أكله من كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، والحمر الأهلية؛ لا يفترق في ذلك حكم شيء منها لاختلاف ألوانها، وكذلك أسئارها كلها، فالنظر على ذلك أن يكون حكم الكلاب كلها في مرورها بين يدي المصلى سواء، فكما كان غير الأسود منها لا يقطع الصلاة فكذلك الأسود؛ ولما ثبت في الكلاب بالنظر ما ذكرنا كان الحمار أولى أن يكون كذلك؛ لأنه قد اختلف في أكل لحوم الحمر الأهلية فأجازه قوم، وكرهه آخرون، فإذا كان ما لا يؤكل لحمه باتفاق المسلمين لا يقطع مروره الصلاة، كان ما اختلف في كل لحمه أحرى أن لا يقطع مروره الصلاة؛ فهذا هو النظر في هذا الباب، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: أي وأما وجه هذا الباب من طريق النظر والقياس، وهو ظاهر غَنيّ عن مزيد البيان.

قوله: "فأجازه قوم" وأراد بهم جماعة من المالكية والظاهرية، وقال أبو عمر: وأما لحم الحمر الإنسية فلا خلاف بين علماء المسلمين اليوم في تحريمها، وعلى ذلك جماعة السلف إلا ابن عباس وعائشة؛ فإنهما كانا لا يريان بائسًا بأكلها على اختلاف فيه عن ابن عباس، والصحيح عنه فيه ما عليه الناس والله أعلم.

قوله: "وكرهه آخرون" أي جماعة آخرون، وأراد بهم جماهير الفقهاء والتابعين ومن بعدهم، والمراد من الكراهة كراهة التحريم، وأما البغل فإن كانت أمه حمارة فهو حرام بلا خلاف، وإن كانت فرسًا ففيه خلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه كالخلاف في لحم الفرس، وإن كانت بقرة فهي تُؤكل بلا خلاف، وعن بعضهم أن البغل لا يؤكل على كل حال.

<<  <  ج: ص:  >  >>