وقال ابن حزم في "المحلى": والصلاة على المسلمين فرض حاشى المقتول بأيدي المشركين في سبيل الله في المعركة خاصة؛ فإنه لا يغسل ولا يكفن لكن يدفن بدمه وثيابه، إلا أنه ينزع السلاح عنه، وإن صلي عليه فحسن، وإن لم يُصل عليه فحسن، فإن حمل عن المعركة وهو حي فمات، غسل وكفِّن وصلي عليه.
ص: وخالفهم في ذلك أخرون، فقالوا: بل يصلى على الشهيد.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة أخرون، وأراد بهم: ابن أبي ليلى والحسن ابن حي وعبيد الله بن الحسن وسليمان بن موسى وسعيد بن عبد العزيز والأوزاعي والثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا، وأحمد في رواية وإسحاق في رواية؛ فإنهم قالوا: يصلى على الشهيد. وهو قول أهل الحجاز أيضًا.
ص: وكان من الحجة لهم على مخالفيهم: أن الذي في حديث جابر إنما هو أن النبي - عليه السلام - لم يصل عليهم، فقد يجوز أن يكون تركه ذلك لأن سنتهم أن لا يصلي عليهم كما كان من سنتهم أن لا يغسلوا، ويجوز أن يكون لم يصل عليهم وصلى عليهم غيره؛ لما كان به حينئذ من ألم الجراح وكسر الرباعية وما أصابه يومئذ من المشركين.
فإنه حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن أبي حازم وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي، عن أبي حازم -قال سعيد في حديثه: سمعت سهل بن سعد، وقال ابن أبي حازم-: عن سهل: "أنه سئل عن وجه رسول الله - عليه السلام - يوم أحد بأي شيء دُووي؟ قال سهل: كسرت البيضة على رأسه، وكسرت رباعيته، وجرح وجهه، وكانت فاطمة - رضي الله عنها - تغسله وكان علي - رضي الله عنه - يسكب الماء بالمجن، فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة حصير فأحرقتها ولصقتها على جرحه فاستمسك الدم. يختلف لفظ ابن أبي حازم وسعيد في هذا الحديث والمعنى واحد".