ممن تطوع عليهم فإن كان هذا ففيه ثبوت السنة من الصلاة عليهم كالصلاة على غيرهم؛ لأن كل تطوع له أصل في الفرض، وإلا فإن كانت صلاته - عليه السلام - عليهم لانتساخ ما كان من الترك ابتداء، ففيه ثبوت سنية الصلاة عليهم في الوقت الذي صلى عليهم، وفيه دليل على نسخ ترك الصلاة عند دفنهم، وإلَّا فإن كانت صلاته لأجل أن السنة أن لا يصلي عليهم إلا بعد هذه المدة، وأخهم مخصوصون بذلك دون سائر القتل، ففيه احتمال أن يكون كذلك حكم سائر الشهداء أن لا يصلى عليهم إلا بعد مضي مثل هذه المدة، ولكنه يجوز تعجيل الصلاة على سائر الشهداء غير شهداء أحد؛ فإن السنة في حقهم تأخير الصلاة عليهم، وأيًاما كان من هذه المعاني ففيه ثبوت الصلاة عليهم إما بعد حين وإما قبل الدفن، والكلام بين المخالفين في هذه الأيام إنما هو في إثبات الصلاة عليهم قبل الدفن كما هو مذهب أهل المقالة الثانية، أو في ترك الصلاة عليهم بالكلية كما هو مذهب أهل المقالة الأولى، وقد أثبتنا بالتقسيمات المذكورة ثبوت الصلاة عليهم بعد الدفن، فإذا كانت بعد الدفن ثابتة على ما دل عليه صريح الحديث، مع أنه مخالف للنظر؛ فثبوتها قبل الدفن أحرى وأجدى، لكونه على وفق النظر والقياس، فافهم. والله أعلم.
ص: ثم قد روي عن النبي - عليه السلام - في غير شهداء أحد: أنه صلى عليهم فمن ذلك: ما حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا نعيم بن حماد، قال: أنا عبد الله بن المبارك، قال: أنا ابن جريج، قال: أخبرني عكرمة بن خالد أن ابن أني عمار أخبره، عن شداد بن الهاد: "أن رجلًا من الأعراب جاء إلى النبي - عليه السلام - فآمن به واتبعه، وقال: أهاجر معك، فأوصى به النبي - عليه السلام - بعض أصحابه، فلما كانت غزوة غنم رسول الله - عليه السلام - فيها أشياء، فقسم وقسم له، فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاء دفعوا إليه، فقال: ما هذا قالوا قسم قسمه لك رسول الله - عليه السلام - فأخذه فجاء به النبي - عليه السلام - فقال: يا محمد ما هذا؟! قال: قسمته لك، قال: ما على هذا اتبعتك، ولكني اتبعتك على أن أرمى ها هنا -وأشار إلى حلقه- بسهم فأموت وأدخل الجنة، فقال: إن تصدق الله يصدقك، فلبثوا قليلًا ثم نهضوا إلى