قوله:"المسائل" مبتدأ، وخبره قوله:"كدوح". أي: كدوح في وجهه، كما في حديث آخر:"جاءت مسألته كدوحًا في وجهه"(١).
فإن قيل: كيف تكون عين المسائل كدوحًا؟
قلت: التقدير: المسائل جالبة للكدوح، فلما كانت المسائل جالبة للكدوح قطعًا جعلت عين الكدوح للمبالغة، كما في قولهم: رجل عدل.
والكدوح: جمع كدح، وهو كل أثرٍ من خدشٍ أو عضٍّ، ويجوز أن يكون مصدرًا سمي به الأثر، فعلى هذا تقدير الكلام: المسائل كادحة، ذُكر المصدر وأريد به الفاعل للمبالغة.
فإن قيل: ما معنى تخصيص الوجه بالذكر من بين سائر الأعضاء؟
قلت: لأن السائل أول ما يستقبل بوجهه فلذلك اختص بهذا الفعل؛ ولأن الكدوح في الوجه أبشع وأفظع.
قوله:"إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان" أي: ذا يد وقوة، مثل الخلفاء والملوك ومَن يلي من جهتهم.
قوله:"لا يجد منه بدًّا" أي: فراقًا أراد أمرًا لا يستغني عنه.
ويستفاد منه: حرمة السؤال لغير الحاجة والضرورة، وأنه حرامٌ وعذابٌ يوم القيامة.
وجواز السؤال من ذي سلطان وإن كان غنيًّا.
قال الخطابي: وهو أن يسأل حقه من بيت المال الذي في يده، وليس هذا على معنى استباحة الأموال التي تحويها أيدي بعض السلاطين من غصب أموال الناس.
قلت: اللفظ عام، يدل على أن الرجل إذا سأل سلطانًا ومَن في معناه يباح له ذلك،
(١) أخرجه ابن ماجه (١/ ٥٨٩ رقم ١٨٤٠)، وأحمد في "مسنده" (١/ ٤٤١ رقم ٤٢٠٧) من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -.