للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: يجوز أن يكون حالًا، وغير المشتق يقع حالًا بالتأويل كما في قولك: جاءني يزيد أسدًا. أي شجاعًا، والأظهر أنه نصب على التمييز من قبيل {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} (١)؛ وذلك لأن نسبة التفجير إلى الأرض لما كانت مبهمة بيَّنها بقوله: {عُيُونًا} وهو من قبيل ما يبين إجمالًا في نسبة الفاعل إلى مفعوله.

قوله: "بالدوالي" جمع دالية وهي المنجنون التي يديرها الثور.

فإن قيل: ما وجه الاحتجاج بهذا الحديث؟

قلت: هو أنه مطلق وليس فيه فصل بين أن تكون خمسة أوسق أو أقل أو أكثر، فوجب العمل بإطلاقه، ووجبت الصدقة في كل ما تخرج الأرض سواء كان قليلًا أو كثيرًا، ولكن إن كان الخارج مما سقي بالسيح والمطر ففيه العُشر كاملًا، وإن كان بالدالية أو السانية (٢) ففيه نصف العُشر.

وأما جواب أبي حنيفة عن الأحاديث المتقدمة فهو أن المراد بها زكاة التجارة؛ لأنهم كانوا يتبايعون بالأوساق، وقيمة الوسق أربعون درهمًا.

وقد أجيب عنها بأنها منسوخة.

فإن قيل: ما وجه النسخ في ذلك؟

قلت: إذا ورد حديثان أحدهما عام والآخر خاص، فإن عُلِم تقديم العام على الخاص خصَّ العام بالخاص، كمن يقول لعبده: لا تعط لأحد شيئًا. ثم قال له: أعطِ زيدًا درهمًا. ثم قال له: لا تعط أحدًا شيئًا. فإن هذا ناسخ للأول.

هذا مذهب عيسى بن أبان، وهو المأخوذ به، ويقال: هذا إذا علم التاريخ، أما إذا لم يعلم فإن العام يجعل آخرًا لما فيه من الاحتياط، وهنا لم يعلم التاريخ فيجعل العام آخرًا احتياطًا. وقال بعض أصحابنا: وحجة أبي حنيفة فيما ذهب إليه عموم قوله


(١) سورة القمر، آية: [١٢].
(٢) السانية: هي الناقة التي يستقى عليها. انظر لسان العرب (١٤/ ٤٠٤ مادة سنا).

<<  <  ج: ص:  >  >>