ص: فهذا الصيام الذي تجزئ فيه النية بعد طلوع الفجر -الذي جاء فيه الحديث الذي ذكرنا عن رسول الله - عليه السلام -، وعمل به مَن ذكرنا من أصحابه - رضي الله عنهم - من بعده-: هو صوم التطوع.
ش: أي: هذا الصوم الذي تجوز النية فيه بعد طلوع الفجر الذي جاء فيه الحديث المرفوع، وهو الذي رواه عن عائشة أم المؤمنين، وهو الذي سبق ذكره عن قريب، وعمل به هؤلاء الصحابة الذين ذكرنا عنهم ما روي عنهم، هو صوم التطوع وكذلك صوم رمضان لتعينه بالوقت، على ما يجيء بيانه عن قريب.
ص: وقد روي عن رسول الله - عليه السلام - أيضًا أنه أمر الناس يوم عاشوراء بعد ما أصبحوا أن يصوموا، وهو حينئذٍ عليهم صومه فرضٌ كما صار صوم رمضان من بعد ذلك على الناس فرضًا، ورُويت عنه في ذلك آثارٌ سنذكرها في باب:"صوم يوم عاشوراء" فيما بعد هذا الباب من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
ش: لما قال فيما مضى: قد روي عن رسول الله - عليه السلام - في إباحة الدخول في الصيام بعد دخول الفجر. ثم بيَّن الآثار المذكورة فيه، ثم قال: هذا على خاصّ في الصوم وهو التطوع، بيَّن أيضًا أن صوم رمضان مثله، واستدل عليه بما روي عن النبي - عليه السلام - أنه أمر الناس يوم عاشوراء بالصوم بعد أن أصبحوا، والحال أنه كان فرضًا عليهم وقتئذٍ، ثم نسخ فرضه بفرض رمضان، ولما كان صوم يوم عاشوراء حين كان فرضًا جائزًا بنية من أول النهار، كان كذلك صوم رمضان جائزًا بنية من أول النهار.
فإن قيل: لم لا نقيس عليه الصوم المنذور المطلق، وقضاء رمضان، وصوم الكفارات؟
قلت: لا يجوز ذلك لعدم تعيين الزمان فيها، بخلاف صوم رمضان فإنه مُعيَّن في وقت كما كان صوم يوم عاشوراء حين كان فرضًا كان معينًا في وقت.
ص: فلما جاءت هذه الآثار عن رسول - عليه السلام - على ما ذكرنا؛ لم يجز أن يُجعل بعضها مخالفًا لبعض فتتنافى ويدفع بعضها بعضًا ما وجدنا السبيل إلى تصحيحها وتخريج