السفر، وإن كان الصوم في السفر برًّا إلا أن غيره في البر أبَرُّ منه، كما قال - عليه السلام -: "ليس المسكين بالطواف الذي ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان، قالوا: فمن المسكين يا رسول الله؟ قال: الذي يستحيي أن يسأل، ولا يجد ما يغنيه، ولا يُفطَن له فيعطَى".
حدثنا بذلك ابن أبي داود، قال: ثنا أبو عمر الحوضي، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن الهجري، عن أبي الأحوص، عن عبد الله عن النبي - عليه السلام - بذلك.
حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا قبيصة، قال: ثنا سفيان، عن إبراهيم الهجري ... فذكر بإسناده مثله.
حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن أبي ذئب، عن أبي الوليد، عن أبي هريرة، عن رسول الله - عليه السلام - نحوه.
حدثنا أبو أمية، قال: ثنا علي بن عياش، قال: ثنا ابن ثوبان، عن عبد الله بن الفضل، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن رسول الله - عليه السلام - مثله.
فلم يكن معنى قوله:"ليس المسكين بالطواف" على معنى إخراجه إياه من أسباب المسكنة كلها، ولكنه أراد بذلك: ليس هو المسكين المتكامل المسكنة الذي لا يسأل الناس، ولا يُعْرَفُ فيتصدق عليه، فكذلك قوله:"ليس البر الصيام في السفر" ليس ذلك على إخراج الصوم في السفر من أن يكون برًّا، ولكنه على معنى: ليس من البر الذي هو أبر البر الصوم في السفر؛ لأنه قد يكون الإفطار هناك أبر فيه إذا كان على التَّقْوَي للقاء العدو وما أشبه ذلك، فهذا معنى صحيح، وهو أولى ما حمل عليه معنى هذه الآثار حتى لا تتضاد هي وغيرها مما قد روي في هذا الباب؛ فإنه حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان، فصام حتى بلغ الكديد، ثم أفطر فأفطر الناس، وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله - عليه السلام -".