وأما "فَمَه؟ " في رواية أبي داود فالهاء فيه للسكت.
قوله:"مع أنه قد يجوز ... إلى آخره" إشارة إلى جواب آخر بطريق التنزل، تقريره أن يقال: إن حديث أبي يزيد الضنِّي وإن كان صحيحا ولكنه محمول على معنى يخالف معنى حديث عمر - رضي الله عنه -؛ لأن معنى حديث عمر: أن القبلة لا تفطر لكونه ممن يضبط نفسه ولا يخاف عليه حصول شيء معها مما هو يضره، ومعنى حديث أبي يزيد: أنه جواب من النبي - عليه السلام -عن سؤال سئل في صائمين معينين حصلت بينهما قبلة على عدم ضبطهما لأنفسهما، فقال: إذا كانت قبلة بين مثلهما يدعو ذلك إلى وقوع شيء آخر مما يفسد صومهما، فلذلك قال في حقهما:"أفطرا".
فإذا كان معنى كل من الحديثين على ما ذكرنا لا يكون بينهما تضادة لأن شرط التضاد اتحاد المحل، فهذا أولى ما يحمل عليه حتى يرتفع التضاد والخلاف والله أعلم.
ص: وأما حديث عمر بن حمزة فليس أيضًا في إسناده كحديث بكير الذي قد ذكرنا؛ لأن عمر بن حمزة ليس مثل بكير بن عبد الله في جلالته وموضعه من العلم وإتقانه، مع أنهما لو تكافئا لكان حديث بكير أولاهما؛ لأنه قول من رسول الله - عليه السلام - في اليقظة وذلك قول قد قامت به الحجة على عمر، وحديث عمر بن حمزة إنما هو على قول حكاه عن رسول الله - عليه السلام - في النوم، وذلك ما لا تقوم به الحجة، فما تقوم به الحجة أولى مما لا تقوم به الحجة.
ثم هذا ابن عمر - رضي الله عنه - قد حدَّث عن أبيه بما حكاه عمر بن حمزة في حديثه، ثم قال بعد أبيه بخلاف ذلك.
حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن أبي حمزة، عن مُورِّق، عن ابن عمر:"أنه سئل عن القبلة للصائم، فأرخص فيها للشيخ، وكرهها للشاب".