ص: قال أبو جعفر -رحمه الله- فذهب قوم إلى هذا، فاستحبوا الإِحرام من الييداء لإِحرام النبي -عليه السلام- منها.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: الأوزاعي وعطاء وقتادة؛ فإنهم ذهبوا إلى هذا الحديث، فاستحبوا الإِحرام من البيداء، وذلك لأنه -عليه السلام- أحرم منها.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: قد يجوز أن يكون النبي -عليه السلام- أحرم منها لا لأنه قصد أن يكون إحرامه منها خاصة لفضل الإِحرام منها على الإِحرام مما سواها، وقد رأيناه فعل أشياء في حجته في مواضع لا لفضل قصده في تلك المواضع مما تفضل به غيرها من سائر المواضع، من ذلك نزوله بالمحصب من مِنَى، فلم يكن ذلك لأنه سنة؛ ولكن لمعنى آخر قد اختلف الناس فيه، ما هو؟
فرُوي عن عائشة -رضي الله عنها- في ذلك ما حدثنا يونس، قال: ثنا أنس بن عياض، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت له:"إنما كان منزلًا نزله رسول الله -عليه السلام- لأنه كان أسمح للخروج" ولم يكن عروة يحصب ولا أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنه-.
ورُوي عن أبي رافع أنه قال:"إنما أمرني رسول الله -عليه السلام- أن أضرب له الخيمة، ولم يأمرني بمكانٍ بعينه، فضربتها بالمحصب".
حدثنا بذلك ابن أبي عمران، قال: ثنا إسحاق بن إسماعيل، قال: ثنا سفيان، عن صالح بن كيسان، عن سليمان بن يسار، عن أبي رافع.
ورُوي عن ابن عباس ما حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا خالد بن عبد الرحمن، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن شعبة -يعني مولى ابن عباس- أن ابن عباس قال:"إنما كان المحصب لأن العرب كانت تخاف بعضها بعضًا، فيرتادون فيخرجون، فجرى الناس عليها".
حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا خالدٌ، قال: ثنا ابن أي ذئب، عن صالح مولى التوأمة، عن ابن عباس .. مثله، غير أنه قال:"كانت تميم وربيعة يخاف بعضها بعضًا".