للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخرجه أحمد في "مسنده" (١): عن محمَّد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد ... إلى آخره، ولفظه: "قلت لأم حبيبة زوج النبي - عليه السلام -: كان رسول الله - عليه السلام - يصلي في الثوب الذي ينام معك فيه؟ قالت: نعم، ما لم يَرِ فيه أذى".

قوله: "يُضاجعك فيه" أي يجامعك، وهكذا في رواية أبي داود مُصرّحا كما ذكرنا.

قوله: "أذى" يتناول سائر النجاسات كالمني والدم والبول والغائط ونحوها، ولكن المراد منه ها هنا المني؛ بقرينة ذكر المضاجعة، فإن قلت: المراد منه الدم، ولهذا جاء مصرحا في بعض روايات أبي داود: "إذا لم يَرَ فيه دمًا".

قلت: قد قلت لك: إن لفظة الأذى عام؛ لأنه من أذاه يؤذيه أَذِيَّه وأذى وإِذايَة، وهو إيصال شيء مكروه إلى غيره، ألا ترى إلى قوله - عليه السلام -: "أميطوا عنه الأذى" (٢) أراد به الشعر والنجاسة، وما يخرجَ على رأس الصبي حين يولد يحلق عنه يوم سابعه.

وقوله - عليه السلام -: "أدناها إماطة الأذى عن الطريق" (٣) وهو ما يؤذي فيها، كالشوك والحجر والنجاسة ونحوها، قلت تعالى {قُلْ هُوَ أَذًى} (٤) أراد به الدم؛ فحينئذ لا يرجح معنى خاص فيه إلَّا بقرينة كما في الآية؛ فإنه أريد به الدم؛ بقرينة قوله: {عَنِ الْمَحِيضِ} (٤) فقال: {قُلْ هُوَ أَذًى} (٤) أي دم مستقذر يؤدي، وكما في الحديث فإنه أريد به المني بقرينة قوله: "يضاجعك" لأن ثوب المضاجعة قد يُصيبه المني وهذا لا يُنْكر. فإن قلت: لِمَ لا يتعين الدم ها هنا لاحتمال الحال ذلك؟

قلت: لا يتأتى ذلك ها هنا؛ لأن المضاجعة حالة الدم حرام، فكان ثوب المضاجعة بعيدا عن الدم، ولكن ليس ببعيد عن المني.


(١) "مسند أحمد" (٦/ ٣٢٥ رقم ٢٦٨٠٣).
(٢) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٦/ ٣٢٥ رقم ٢٦٨٠٣).
(٣) رواه مسلم في "صحيحه" (١/ ٦٣ رقم ٣٥) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٤) سورة البقرة، آية: [٢٢٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>