ص: فأما قوله: "إن العمرة في أشهر الحج لا تتم إلاَّ بالهدي لمن يجد الهدي أو بالصيام لمن لم يجد الهدي" فثبت بذلك تمام العمرة في غير أشهر الحج إذا كان ذلك غير واجب فيها وأوجب النقصان في العمرة التي في أشهر الحج إذا كان واجبًا فيها وهذا كله إذا كان الحج يتلوها، فإن الحجة على من ذهب إلى ذلك عندنا -والله أعلم-: أنا رأينا الهدي الذي يجب في المتعة والقران يؤكل منه باتفاق المتقدمين جميعًا، ورأينا الهدي الذي يجب لنقصان في العمرة أو في الحجة لا يؤكل منه باتفاقهم جميعًا، فلما كان الهدي الواجب في المتعة والقران يؤكل منه، ثبت أنه غير واجب لنقصان في العمرة أو في الحجة التي بعدها؛ لأنه لو كان لنقصان لكان من أشكال الدماء الواجبة للنقصان ولكان لا يؤكل منه كما لا يؤكل منها ولكنه دم فضل وإصابة خير.
ش: أي وأما قول سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فإنه ذكر فيما روى عنه الزهري أن العمرة في أشهر الحج لا تتم إلاَّ بالهدي أو بالصوم عند عدمه، فدل ذلك على نقصانها في أشهر الحج لوجوب الدم أو بدله، وفي غير أشهر الحج تتم بغير هدي ولا صوم فدل ذلك على تمامها في غير أشهر الحج فلذلك ذهبت طائفة إلى هذا وقالوا: من أراد تمام العمرة فليعتمر في غير أشهر الحج فأجاب عن ذلك بقوله: فإن الحجة على من ذهب إلى ذلك عندنا والله أعلم إلى آخره.
بيانه أن يقال: إن الهدي الذي يجب في المتعة والقران يؤكل منه بالاتفاق والهدي الذي يجب لنقصان في العمرة أو الحج لا يؤكل منه باتفاق فجواز أكل الهدي في المتعة والقران، يدل على أنه غير واجب لأجل نقصان في العمرة أو الحج بعدها لأنه لو كان كذلك لكان من أشكال الدماء أي من أمثال الدماء ونظائرها التي تجب لأجل النقصان ولكان لا يؤكل منه كما لا يؤكل منها فدل على أنه غير دم لجبر النقصان بل هو دم فضل وإصابة فضل وخير والله أعلم.