للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخرجه مسلم (١) وقال: ثنا هارون بن سعيد الأيلي، ثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث ... إلى آخره نحوه.

قوله: "الماء من الماء" يعني وجوب الغسل من إنزال المني، وقد استدل أبو بكر الدقاق وبعض الحنابلة بهذا الحديث أن التخصيص باسم العَلَم يوجب نفي الحكم عما عداه؛ وذلك لأن الأنصار فهموا عدم وجوب الاغتسال بالإكسال -وهو أن يفتر الذكر بعد الإيلاج قبل الإنزال- من قوله - علية السلام -: "الماء من الماء" أي الاغتسال واجب من المني، فالماء الأول هو المُطَهر، والثاني هو المني، "ومن" للسببية، والأنصار كانوا من أهل اللسان وفصحاء العرب، وقد فهموا التخصيص منه، حتى استدلوا به على نفي وجوب الاغتسال بالأكسال؛ لعدم الماء، ولو لم يكن التنصيص باسم الماء موجبا للنفي عما عداه؛ لما صح استدلالهم على ذلك، والجواب عن ذلك: أنه ليس ذلك من دلالة التنصيص على التخصيص، بل إنما هو من اللام المعرّفة الموجبة للاستغراق عند عدم المعهود، ونحن نقول هذا الكلام للاستغراق والانحصار كما فهمها الأنصار، لكن لما دل الدليل -وهو الإجماع- على وجوب الاغتسال من الحيض والنفاس، أيضًا نفي الانحصار فيما وراء ذلك مما يتعلق بالمَني، وصار المعنى: جميع الاغتسالات المتعلقة بالمني تنحصر فيه لا تثبت لغيره.

فإن قيل: فعل هذا ينبغي ألَّا يجب الغسل بالإكسال لعدم الماء.

قلت: الماء فيه ثابت تقديرا؛ لأنه تارة يثبت عيانا كما في حقيقة الإنزال، ومرة دلالة كما في التقاء الختانين؛ فإنه سبب لنزول الماء، فأقيم مقامه؛ لكونه أمرا خفيّا كالنوم أقيم مقام الحدث، لتعذر الوقوف عليه.

ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا إبراهيم بن بشار، قال ثنا سفيان بن عُيينة، قال: ثنا عمرو بن دينار، عن عبد الرحمن بن السائب، عن عبد الرحمن بن سُعاد، عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي - عليه السلام - مثله.


(١) "صحيح مسلم" (١/ ٢٦٩ رقم ٣٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>