ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: أما الأولى منهما فتصلى بأذان وإقامة، وأما الثانية فتصلى بلا أذان ولا إقامة.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون وهم: سعيد بن جبير والثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد؛ فإنهم قالوا: يجمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة بأذان واحد وإقامة واحدة لهما، وهو المروي عن جابر وعبد الله بن عمر وأبي أيوب الأنصاري.
ص: وقالوا: ما كان من فعل عمر -رضي الله عنه- ومن تأذينه للثانية، فإنما فعل ذلك لأن الناس كانوا تفرقوا لعشائهم فأذن ليجمعهم، وكذلك نقول نحن: إذا تفرق الناس عن الإِمام لعشاء أو لغيره أمر المؤذن فأذن ليجتمعوا لأذانه، فهذا معنى ما روي في هذا عن عمر -رضي الله عنه-، والذي روي عن عبد الله فهو مثل هذا أيضًا.
حدثنا يونس، قال: ثنا سفيان، عن أبو إسحاق الهمداني، عن عبد الرحمن بن يزيد قال:"كان ابن مسعود -رضي الله عنه- يجعل العشاء بالمزدلفة بين الصلاتين" فقد عاد -يعني ما روي عن عبد الله في هذا- إلى معنى ما روي عن عمر أيضًا.
ش: أي قال الآخرون، وأشار به إلى الجواب فيما احتج به أهل المقالة الأولى بخبري عبد الله بن مسعود وعمر بن الخطاب، بيان ذلك أن يقال: إن ما فعله عمر -رضي الله عنه- من تأذينه الثاني للصلاة الثانية إنما كان لأجل أن الناس قد تفرقوا لأجل عشائهم فأذن إعلامًا لهم بأن يجتمعوا، ولم يفعل ذلك لكونه سنة. فنحن نقول أيضًا: إذا تفرق الناس عن الإِمام لأجل عشائهم أو لغير ذلك من الأمور الداعية إلى التفريق أنه يأمر المؤذن فيؤذن؛ إعلامًا لهم بأن يجتمعوا، وعلى هذا المعنى أيضًا ما روي عن عبد الله بن مسعود، والدليل على ذلك ما قاله عبد الرحمن بن يزيد:"إن ابن مسعود كان يجعل العشاء بالمزدلفة بين الصلاتين".
وأخرجه بإسناد صحيح، عن يونس بن عبد الأعلى، عن سفيان بن عيينة، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي عن عبد الرحمن بن يزيد.