قوله:"ينفرون" أي يذهبون ويفرون، من نَفَرَ يَنْفِرُ نُفُورًا ونفارًا من باب ضَرَبَ يَضْرِبُ.
قوله:"آخر عهده" أي آخر وقته الذي يفارق فيه مكة.
فإن قيل: الرواية الأولى كيف تدل على سقوط طواف الوداع عن الحائض؟
قلت: الرواية الثانية تدل على ذلك، وهي مقيدة فحمل المطلق على المقيد.
فإن قيل: ما تقول فيمن طاف طواف الوداع، ثم تشاغل في مكة بعده، ثم خرج، هل عليه طواف آخر أم لا؟
قلت: لا. فيكفيه ذلك الطواف.
فإن قيل: أليس أمر في الحديث أن يكون آخر عهده الطواف بالبيت ولما تشاغل بعده لم يقع الطواف آخر عهده فيجب أن لا يجوز إذا لم يأت بالمأمور به؟ قلت: المراد منه آخر عهده بالبيت نسكًا لا إقامة، والطواف آخر مناسكه بالبيت وإن تشاغل بغيره، وروي عن أبي حنيفة أنه قال: إذا طاف للصدر ثم أقام إلى الغد، فأحب أن يطوف طوافًا آخر؛ لئلا يكون بين وداعه وبين نفره حائل.
ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن الحسن بن مسلم، عن طاوس، قال: قال زيد بن ثابت لابن عباس: "أنت الذي تفتي الحائض أن تصدر قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت؟ قال: نعم، قال: فلا تفعل، فقال: سل فلانة الأنصارية هل أمرها النبي -عليه السلام- أن تصدر؟ فسأل المرأة ثم رجع إليه فقال: ما أراك إلا قد صدقت".
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عمرو بن أبي زيد، قال: ثنا هشام، عن قتادة، عن عكرمة: "أن زيد بن ثابت وابن عباس -رضي الله عنهم- اختلفا في المرأة تحيض بعدما تطوف بالبيت يوم النحر، فقال زيد: يكون آخر عهدها الطواف بالبيت، وقال ابن عباس: تنفر إذا شاءت، فقالت الأنصار: لا نتابعك يا ابن عباس وأنت تخالف زيدًا، فقال: سلوا صاحبتكم أم سليم، فسألوها، فقالت: حضت بعدما طفت يوم