وقيل: إنما دعا للمحلقين ثلاثًا لأن الحلق أبلغ في العبادة وأدل على صدق النية في القلب بخلاف المقصر؛ لأنه مبق لنفسه من الزينة التي أراد الله تبارك وتعالى أن يأتيه المستجيبون لدعوته في الحج متبرئين منها مظهرين للمزلة والخشوع.
قوله:"غير رجلين: رجل من الأنصار" وهو أبو قتادة الأنصاري الحارث بن ربعي، ورجل من قريش وهو عثمان بن عفان؛ فإنهم لم يحلقا رءوسهما ولم يقصرا، لأنهم لم يكونا محرمين كما صرح بذلك في رواية أحمد.
ويستفاد منه: أن الحلق نسك لا إباحة، ولو كان إباحة لم يستحق الدعاء والثواب عليه.
وأيضًا فيه دلالة على أن الحلق أفضل، والتفاضل لا يكون في الإِباحة.
وفيه جواز التقصير وفيه أن المحصر لا ينبغي له أن يترك الحلق.
فإذا تركه يصير كتركه وهو غير محصر.
ثم اعلم أن أحاديث دعوة النبي -عليه السلام- للمحلقين رواها جماعة من الصحابة -رضي الله عنهم-، وقال الترمذي عقيب إخراجه حديث ابن عمر في هذا: وفي الباب عن ابن عباس وأم الحصين ومارب وأبي سعيد وأبي مريم وحبشي بن جنادة وأبي هريرة.
قلت: وفي الباب عن جابر بن عبد الله أيضًا وقد أخرج الطحاوي حديث ابن عباس وأبي سعيد الخدري كما مرّ.
وأما حديث عبد الله بن عمر فأخرجه البخاري (١): ثنا عبد الله بن يوسف، ثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله -عليه السلام- قال:"اللهم ارحم المحلقين، قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: اللهم ارحم المحلقين، قالوا: والمقصرين؟ قال: والمقصرين".
وقال الليث: ثنا نافع: رحم الله المحلقين مرة أو مرتين، قال: وقال عُبيد الله: