والثاني: أن توجد فيه بما قد ظهر وشاع وتواترت به الروايات.
والثالث: أن توجد فيه من طريق النظر والقياس.
فإن كان الأول: فحديث عائشة أولى؛ لأن إسناده صحيح لا خلاف فيه بين أهل العلم بالحديث بخلاف حديث جابر بن عبد الله الذي احتجت به أهل المقالة الأولى، فإن مَنْ رواه دون من روى حديث عائشة؛ لأن أحد رواته عبد الرحمن بن عطاء بن أبي لبيبة، قال البخاري: فيه نظر، ولا يلحق هو الشعبي ولا النخعي ولا الزهري ولا أمثال هؤلاء، وأحد رواته أيضًا عبد الملك بن جابر بن عتيك، ولا يلحق هو الأسود ولا عروة ولا عمرة ولا القاسم بن محمد بن أبي بكر، وهذا لا نزاع فيه، وقال أبو عمر بن عبد البر: ابن أبي لبيبة شيخ ليس ممن يحتج فيما ينفرد به، فكيف فيما خالفه فيه من هو أثبت منه.
وإن كان الثاني: فحديث عائشة أيضًا أولى لوجود التواتر في طريقه وظهوره بما ليس في حديث جابر.
قال أبو عمر: لم يلتفت مالك ومن قال بقوله إلى حديث عبد الرحمن بن عطاء بن أبي لبيبة، عن جابر، وردوه بحديث عائشة؛ لتواتر طرقه وصحته.
وإن كان الثالث: فوجه النظر والقياس يقتضي فساد قول من ذهب إلى حديث جابر، وقد بين ذلك بقوله:
ص: وإن كان ذلك يؤخذ من طريق النظر: فإنا قد رأينا الذين يذهبون إلى حديث جابر يقولون: إن الحرمة التي تجب على باعث الهدي بتقليده إياه وإشعاره، فيحل عنه إذا حل الناس بغير فعل يفعله هو فيحل به، فأردنا أن ننظر في الإِحرام المتفق عليه، هل هو كذلك أم لا؟ فرأينا الرجل إذا أحرم بحج أو عمرة فقد صار محرمًا إحرامًا متفقًا عليه، ورأيناه غير خارج من ذلك الإِحرام إلاَّ بأفعال يفعلها فيحل بها منه ولا يحل بغيرها، ألا ترى أنه إذا كان حاجًّا فلم يقف بعرفة حتى مضى