فهذا أبو سعيد حكى عن النبي -عليه السلام- إكذاب من زعم أن العزل موءودة.
ش: أشار بهؤلاء إلى أهل المقالة الثالثة الذين أباحوا العزل مطلقًا.
وقوله:"الذين أباحوا العزل" بدل من قوله: "هؤلاء".
وقوله:"ما في حديث جدامة" في محل النصب؛ لأنه مفعول لقوله:"أنكر هؤلاء"، والحاصل أنهم أنكروا خبر جدامة بنت وهب الذي يخبر أن العزل هو الوأد الخفي، وقالوا: يردّه خبر أبي سعيد الخدري، حيث يخبر في حديثه عن النبي -عليه السلام- أنه أكذب مَنْ زعم أن العزل هو الوأد الخفي.
وقد قال ابن حزم ها هنا بعكس هذا، حيث يقول: لا يحل العزل عن حرة ولا عن أمَة، بُرْهان ذلك حديث جدامة، قال: وهو في غاية الصحة. قال: واحتج مَنْ أباحه بخبر أبي سعيد الذي فيه: "لا عليكم أن لا تفعلوا" قال: وهذا إلى النهي أقرب، وكذا قاله ابن سيرين. واحتجوا بتكذيب النبي -عليه السلام- قول يهود، وبأخبار أُخَر لا تصح، ويعارضها كلها خبر جدامة، وقد علمنا بيقين أن كل شيء أصله الإباحة حتى ينزل التحريم، فصح أن خبر جدامة بالتحريم هو الناسخ لجميع الإباحات المتقدمة التي لا شك أنها قبل البعث، وبعد البعث وهذا أمر متيقن؛ لأنه إذا أخبر -عليه السلام- أنه الوأد الخفيّ والوأد محرمٌ، فقد نسخ الإباحة المتقدمة، وبطل قول من ادَّعى غيره. انتهى.
قلت: قال الطحاوي في غير هذا الموضع: هذا جواب عما ذكره ابن حزم، وهو أنه يحتمل أن خبر جدامة لما كان عليه الناس من موافقة أهل الكتاب ما لم يحدث الله -عز وجل- ناسخه، ثم إن الله -عز وجل- أعلمه بكذبهم، وأن الأمر في الحقيقة بخلاف ذلك، فأعلم أمته -عليه السلام- بكذبهم وأباح لهم العزل على ما في حديث أبي سعيد، وأن الله -عز وجل- إذا أراد شيئًا لا يمكن وقوع غيره، وبمعناه قال أبو الوليد بن رشد.
وقال ابن العربي: خبر جدامة مضطرب، قال: وقد قال قومٌ: إن ذلك كان قبل أن يبيِّن الله له جواز ذلك، فكان يتبع اليهود فيما لم يتبيَّن له فيه شرع، وهذا