ذهبوا إليه، وقالوا: معناه حيث شئتم من القبل والدبر، وهذا تأويل فاسد على ما نذكره إن شاء الله تعالى".
واعلم أن "أنَّى" يستفهم بها عن الحال نحو: أنَّى لقيت زيدًا أو مكافحًا؟ وقد يستفهم بها عن المكان فيقال: أنَّى كنت أي: أين كنت، وعن الزمان كقولك: أنَّى سرتَ أي: متى سرت، ويجزم بهما الشرط والجزاء نحو: أنَّى تذهب اذهبْ، وأصل وضعها للاستفهام ككيف، والمعنى في الآية: فائتوا حرثكم كيف شئتم مستقبلين أو مستدبرين غير أن يكون المأتى واحدًا وهو موضع الحرث.
ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فذهب قوم إلى أن وطء المرأة في دبرها جائز، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث، وتأولوا هذه الآية على إباحة ذلك.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: محمد بن كعب القرظي وسعيد بن سيار المدني ومالكًا وبعض الشافعية فإنهم قالوا: وطء المرأة في دُبُرها جائز، واحتجوا في ذلك بالحديث المذكور، وتأولوا هذه الآية -يعني قوله تعالى:{فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}(١).
وقالوا: معناه حيث شئتم من القبل والدبر.
وقال عياض -رحمه الله-: اختلف الناس في وطء النساء في أدبارهن، هل ذلك حرام أم لا؟ وقد تعلَّق من قال بالتحليل بظاهر الآية، ولا يفصل عنها من يحرّم بأن المراد بها ما نزلت عليه من السبب والرد على اليهود فيما قالت، والعموم إذا خرج على سبب قَصُر عليه عند بعض أهل الأصول، ومن قال بتعدِّيه وحمله على مقتضى اللفظ من التفهم كانت الآية حجة له في نفي التحريم، لكن وردت أحاديث كثيرة بالمنع منه فيكون ذلك تخصيصًا لعموم الآية بأخبار الآحاد وفي ذلك خلافٌ بين الأصوليين.
وقال الحافظ أبو بكر ابن العربي في كتابه "أحكام القرآن": اختلف العلماء في جواز نكاح المرأة في دبرها. فجوزته طائفة كبيرة، وقد جمع ذلك ابن شعبان في