الأحاديث كلها تخبر أن إحداد المتوفى عنها زوجها قد جعل في جميع عدتها وهي أربعة أشهر وعشرة أيام، وذلك بعد أن كان في ثلاثة أيام من عدتها خاصةً على ما بينه في حديث أسماء بنت عميس، وقد ذكرنا أنه نسخ بالأحاديث المذكورة، واستمر الحكم على أن تحد المرأة مقدار أيام عدتها وهي أربعة أشهر وعشرة أيام، ولا تحد على ميت غير زوجها كثر من ثلاثة أيام.
فإن قيل: قد روي عن النبي -عليه السلام- أنه رخَّص للمرأة أن تحد على زوجها حتى تنقضي عدتها، وعلى أبيها سبعة أيام، وعلى من سواه ثلاثة أيام.
قلت: هذا حديث غير صحيح؛ لما قدمنا من أن أم حبيبة لما توفي أبوها تطيبت بعد ثلاثة أيام؛ ولعموم الأحاديث، ولأن هذا الحديث ذكره أبو داود في المراسيل (١) عن عمرو بن شعيب، أن النبي -عليه السلام- قال ... فذكره معضلاً، ثم إن ذكر أبي داود هذا في المراسيل غير موجه؛ لأن عمروًا ليس تابعيًّا، اللهم إلا إذا أراد بالإرسال الانقطاع، فيتجه حينئذٍ. فافهم.
ص: ثم قد روي عن رسول الله -عليه السلام- في أمر الفريعة بنت مالك ما حدثنا يونس، قال: أخبرني أنس بن عياض، قال: أخبرني سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة الأنصاري، عن زينب بنت كعب، قالت: أخبرتني الفريعة بنت مالك بن سنان - وهي أخت أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: "أنه أتاها نَعِيّ زوجها، خرج في طلب أعلاج له فأدركهم بطرف القدوم فقتلوه، قالت: فجئت رسول الله -عليه السلام- فقلت: يا رسول الله، إنه أتاني نَعِيّ، زوجي وأنا في دارٍ من دور الأنصار شاسعة عن دور أهلي، وأنا أكره القعدة فيها، وإنه لم يتركني في مسكن ولا مال يملكه ولا نفقة أنفق عليَّ، فإن رأيت أن ألحق بأخي فيكون أمرنا جميعًا، فإنه أجمع لي في شأني وأحب إلي.
قال: إن شئت فالحقي بأهلك. قالت: فخرجت مستبشرة بذلك حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني -أو دعيت له- فقال: كيف زعمت؟ فرددت عليه