للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: قول ابن الجوزي غلط؛ لأن عطاء الذي في سند هذا الحديث هو ابن أبي رباح كما صرح به الطحاوي وأصحاب السنن في رواياتهم.

وقول ابن حزم باطل؛ لأن الحديث أخرجه أبو داود وسكت عنه، فهذا دليل رضاه به، والترمذي حسنه، وعبد الرحمن بن حبيب بن أردك وثقه ابن حبان والحاكم، وقال: هو من ثقات المدنيين، وذكره ابن خَلْفُون أيضًا في الثقات.

قوله: "ثلاثٌ" مبتدأ.

وقوله: "جدهن" مبتدأ ثان. وخبره: "جدٌّ" والجملة خبر المبتدأ الأول، أي: ثلاثة أشياء جدهن وهزلهن سواء، حتى إذا عقد النكاح بالهزل وقع النكاح، وكذا إذا طلق هازلًا وقع الطلاق، وكذا إذا راجع مطلقته هازلًا.

والِجدُّ -بكسر الجيم- ضد الهزل، يقال: جَدَّ يَجِدُّ جِدًّا.

ص: فلما قال رسول الله -عليه السلام-: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد" فمنع النكاح من البطلان بعد وقوعه، وكذلك الطلاق، والمراجعة، ولم نَرَ البيوع حملت على ذلك المعنى، بل حملت على ضده، فجعل من باع لاغيًا كان بيعه باطلاً، وكذلك إن أجَّرَ لاغيًا كانت إجارته باطلة، فلم يكن ذلك عندنا إلا لأن البيوع والإجارات مما تنقض بالأسباب التي ذكرنا، فنقضت بالهزل كما نقضت بذلك، وكانت الأشياء الأُخَر من الطلاق والعتاق والرجعة لا تبطل بشيء من ذلك، فجعلت غير مردودة بالهزل.

فكذلك أيضًا في النظر ما كان ينقض بالأسباب التي ذكرنا ينقض بالإكراه، وما كان لا ينقض بتلك الأسباب لم ينقض بالإكراه.

ش: هذه إشارة إلى بيان وجه الاستدلال بهذا الحديث في وقوع طلاق المكره.

بيانه: أنه -عليه السلام- منع النكاح والطلاق والرجعة من البطلان بعد وقوعها، وذلك لأنها مما لا يُنقض بالخيار المشروط فيه، ولا تُرَدُّ بالعيوب وبخيار الرؤية، فلا تُنْقض بالهزل؛ بخلاف البيوع والإجارات، فإنها مما ينقض بالهزل كما تنقض بتلك الأشياء،

<<  <  ج: ص:  >  >>