للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس (١)، وروى محمَّد في "آثاره" (٢) وقال: أخبرنا أبو حنيفة، قال: حدثنا منصور ابن زاذان، عن الحسن البصريّ، عن معبد، عن النبي - عليه السلام - أنه قال: "بينما هو في الصلاة؛ إذْ أقبل رجل أعمى من قِبل القبلة يريد الصلاة، والقوم في صلاة الفجر فوقع في (زُبْيَة) (٣) فاستضحك بعض القوم حتى قهقه، فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من كان قهقه منكم فليعد الوضوء والصلام".

محمَّد قال: أخبرنا أبو حنيفة، عن حماد، عن إبراهيم: "في الرجل يُقهقه في الصلاة قال: يعيد الوضوء والصلاة ويستغفر ربه؛ فإنه أشد الحدث" (٤).

قال محمَّد: وبه نأخذ وهو قول أبي حنيفة.

وذكر هذا الحديث الحافظ أبو موسى المديني في كتاب "الأمالي" مسندا إلى معبد الحمْصي عن النبي - عليه السلام - في باب الميم.

فإن قيل: قد قال الدارقطني: روى هذا الحديث أبو حنيفة، عن منصور بن زاذان، عن الحسن، عن معبد الجهني مرسلًا عن النبي - عليه السلام - وهم فيه أبو حنيفة على منصور، وإنما رواه منصور بن زاذان عن محمَّد بن سيرين عن معبد، ومعبد هذا لا صحبة له، ويقال: إنه أول من تكلم في القدر من التابعين، حدث به عن منصور، عن ابن سيرين، غيلان بن جامع وهشيم بن بشير، وهما أحفظ من أبي حنيفة للإسناد.

قلت: هذا تحامل من الدارقطني على أبي حنيفة، وليس هو من أهل هذا الكلام في مثل أبي حنيفة الذي هو معظم أركان الدين، وأعظم أئمة المسلمين، وذكر ابن الأثير


(١) هذا الكلام فيه نظر، والإجابة عنه مبسوطة في كتب مصطلح الحديث وكتب الأصول عند الكلام على المرسل والاحتجاج به، فليراجع هناك.
(٢) انظر كتاب "الآثار" لأبي يوسف (١/ ٢٨ رقم ١٣٥).
(٣) الزبية: هي الحفرة التي لا يعلوها الماء، وتحتفر ليقع فيها الصيد من الذئاب والأسود وغيرها، وتحتفر للشواء أيضًا، انظر "لسان العرب" (مادة: زبي).
(٤) أخرجه أبو يوسف في "الآثار" (١/ ٣٢ رقم ١٦١) عن أبي حنيفة بنحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>