وقال ابن حزم في "المحلى": ولا يحل بيع كلب أصلاً لا كلب صيد ولا كلب ماشية ولا غيرهما، فإن اضطر إليه ولم يجد من يعطيه إياه فله ابتياعه وهو حلال للمشتري حرام على البائع، ينتزع منه الثمن متى قُدِرَ عليه كالرشوة في دفع الظلم وفداء الأسير ومصانعة الظالم، ولا فرق.
ثم قال: وهو قول مالك والشافعي وأحمد وأبي سليمان وأبي ثور وغيرهم.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا بأس بأثمان الكلاب كلها التي ينتفع بها.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: عطاء بن أبي رباح وإبراهيم النخعي وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا وابن كنانة وسحنون من المالكية؛ فإنهم قالوا: الكلاب التي ينتفع بها يجوز بيعها وتباح أثمانها. وعن أبي حنيفة: أن الكلب العقور لا يجوز بيعه ولا يباح ثمنه.
وقال صاحب "البداع": وأما بيع ذي ناب من السباع سوى الخنزير كالكلب فجائز عند أصحابنا، وعند الشافعي لا يجوز، ثم عندنا لا فرق بين المعلَّم وغير المعلَّم في رواية الأصل، فيجوز بيعه كيف ما كان.
وروي عن أبي يوسف أنه لا يجوز بيع الكلب العقور.
ص: وكان من الحجة لهم في ذلك على أهل المقالة الأول فيما احتجوا به عليهم من الآثار التي ذكرنا أن الكلاب قد كان حكمها أن تقتل كلها، ولا يحل لأحد إمساك شيء منها، فلم يكن بيعها عندنا جائز ولا ثمنها حلال.
فمما روي في ذلك: ما حدثنا فهد، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا أبو أسامة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال:"أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتل الكلاب كلها، فأرسل في أقطار المدينة أن تقتل".