ش: أي وكان من الدليل والبرهان لأهل المقالة الثانية فيما ذهبوا إليه أن هذا الحديث -يعني حديث غيلان- حديثٌ منقطع، ليس كما رواه عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن معمر عن الزهري، وإنما أصله مثل ما رواه مالك عن الزهري أنه قال:"بلغنا أن رسول الله -عليه السلام- قال لرجل. . ." الحديث. وكذلك رواه منقطعًا عبد الرزاق وسفيان بن عيينة كلاهما، عن معمر، عن الزهري.
وقد بيَّن أصل هذا الحديث في الانقطاع ومخرجه عُقَيل بن خالد الأيلي في روايته عن الزهري أنه قال:"بلغنا عن عثمان بن محمد بن أبي سويد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لغيلان بن سلمة. . ." الحديث.
فبيَّن عُقَيل مخرج هذا الحديث، وأن الزهري إنما أخذه عن عثمان بن محمد.
فإذا كان كذلك؛ يكون من المحال أن يكون عند الزهري في هذا شيء عن سالم ابن عبد الله عن أبيه فيترك الاحتجاج به ويحتج بما بلغه عن عثمان بن محمد، عن النبي -عليه السلام-، فبان من هذا انقطاع الحديث المذكور وفساد سنده، والآفة فيه عن معمر؛ لأنه كان عنده عن الزهري في قصة غيلان حديثان، أحدهما الحديث المذكور، والثاني عن سالم عن أبيه:"أن غيلان بن سلمة طلق نساءه وقسم ماله. . ." الحديث، فأخطأ معمر، فأخلط إسناد الحديثين بعضهما ببعض، فجعل إسناد الحديث الذي فيه كلام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- للحديث الذي فيه كلام رسول الله -عليه السلام-؛ ففسد الحديث المذكور حينئذٍ من جهة الإسناد؛ فلم يبق حجة لما ذهب إليه أهل المقالة الأولى، وعن هذا قال أبو عمر بن عبد البر: الأحاديث في هذا الباب كلها معلولة وليست أسانيدها بالقوية، وقال الترمذي عقيب روايته الحديث المذكور: هكذا رواه معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: هذا حديث غير محفوظ، والصحيح ما رواه شعيب بن أبي حمزة وغيره عن الزهري قال: حُدِّثت عن محمد بن أبي سويد الثقفي: "أن غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشر نسوة".