وقال أبو عمر: قال أبو حنيفة في الحربية تخرج إلينا مسلمة ولها زوج كافر في دار الحرب: فقد وقعت الفرقة بينهما, ولا سبيل له إليها إلا بنكاح جديد، ولكن العدة عليها. وهو قول الثوري.
ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا فهد، قال: ثنا يحيى الحماني، قال: ثنا حفص -يعني ابن غياث- عن الحجاج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده:"أن رسول الله -عليه السلام- ردَّ زينب على أبي العاص".
حدثنا فهد، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا حفص، عن داود، عن الشعبي مثله.
قالوا: ففي حديث عبد الله بن عمرو هذا خلاف ما في حديث ابن عباس، وقد وافق عبد الله بن عمرو على ذلك عامر الشعبي مع علمه بمغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قالوا: فهذا أولى مما قد خالفه لمعاني سنبينها في هذا الباب إن شاء الله تعالى.
ش: أي احتج الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص، فإنه يصرح أن المهاجرة المسلمة لا تحل لزوجها إذا خرج إلى دار الإِسلام مسلمًا إلا بعقد جديد، فظهر من هذا أن اختلاف الدارين يوجب الفرقة.
فإن قيل: لا نسلِّم أن اختلاف الدارين يوجب الفرقة، ألا ترى أن المسلم إذا دخل دار الحرب بأمان لم يبطل نكاح امرأته، وكذلك لو دخل حربي إلينا بأمان لم تقع الفرقة بينه وبين امرأته، وكذلك لو أسلم الزوجان في دار الحرب ثم خرج أحدهما إلى دار الإِسلام لم تقع الفرقة؟!
فعلمنا أنه لا تأثير لاختلاف الدارين في إيجاب الفرقة.
قلت: ليس معنى اختلاف الدارين ما ذهبت إليه، وإنما معناه أن يكون أحدهما من أهل الإِسلام إما بالإِسلام أو بالذمة، والآخر من أهل الحرب، فيكون حربيًّا كافرًا، فأما إذا كانا مسلمَيْن فهما من أهل دار واحدة وإن كان أحدهما مقيمًا في دار الحرب والآخر في دار الإِسلام.