للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "علام أُحْبس؟ " أصله على ما أحبس أي: لأي شيء أحبس؟

قوله: "بجريرة حلفائك". الجريرة: الخيانة والذنب؛ وذلك أنه كان بين رسول الله -عليه السلام- وبين ثقيف موادعة، فلما نقضوها ولم ينكر عليهم بنو عقيل -وكانوا معهم في العهد- صاروا مثلهم في نقض العهد فأخذه بجريرتهم، وقيل: معناه: أخذت لتدفع بك جريرة حلفائك من ثقيف، ويدل عليه: أنه فدى بعد بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف من المسلمين.

و"الحُلفاء" بضم الحاء المهملة جمع حليف من الحلف وهي المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق، فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل والغارات؛ فذلك الذي ورد النهي عنه في الإِسلام بقوله -عليه السلام-: "لا حلف في الإِسلام" (١)، وما كان منه في الجاهلية على نصر المظلوم وصلة الأرحام كحلف المطيبين وما جرى مجراه، فذلك الذي قال فيه -عليه السلام-: "وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإِسلام إلا شدة" (٢) يريد من المعاقدة على الخير ونصرة الحق، وبذلك يجتمع الحديثان، وهذا هو الحلف الذي يقتضيه الإِسلام، والممنوع منه ما خالف حكم الإِسلام. وقيل: المحالفة كانت قبل الفتح، وقوله: "لا حلف في الإِسلام" قاله زمن الفتح فكان ناسخًا، وكان رسول الله -عليه السلام- وأبو بكر -رضي الله عنه- من المطيِّبين، وكان عمر -رضي الله عنه- من الأحلاف. والأحلاف ست قبائل: عبد الدار وجمح ومخزوم وعدي وكعب وسهم؛ سموا بذلك لأنهم أرادت بنو عبد مناف أخذ ما في أيدي عبد الدار من الحجابة والرفادة واللواء والسقاية، وأبت عبد الدار، عقد كل قوم على أمرهم حلفًا مؤكدًا على أن لا يتخاذلوا، فأخرجت بنو عبد مناف جنبة مملوءة طيبًا فوضعتها لأحلافهم وهم: أسد وزهرة وتيم في المسجد عند الكعبة، ثم غمس القوم أيديهم فيها وتعاقدوا، وتعاقدت بنو عبد الدار وحلفاؤها حلفًا آخر مؤكدًا؛ فسموا الأحلاف لذلك.


(١) أخرجه مسلم (٤/ ١٩٦١ رقم ٢٥٣٠) من حديث جبير بن مطعم.
(٢) أخرجه مسلم (٤/ ١٩٦١ رقم ٢٥٣٠) من حديث جبير بن مطعم.

<<  <  ج: ص:  >  >>