حدثنا أبو بشر الرقي، قال: ثنا أبو معاوية، عن أبي إسحاق الشيباني، عن محمد بن عبيد الله قال:"خرج رجل من أهل البصرة يقال له: أبو عبد الله إلى عمر -رضي الله عنه- فقال: إن بأرض البصرة أرضًا لا تضر بأحد من المسلمين وليست أرض خراج، فإن شئت أن تقطعنيها أتخذها قضبًا وزيتونًا ونخلًا فافعل. فكان أولا من افتلى الفلايا بأرض البصرة، قال: فكتب عمر -رضي الله عنه- إلى أبي موسى -رضي الله عنه-: إن كانت حمى فأقطعها إياه".
أفلا ترى أن عمر -رضي الله عنه- لم يجعل له أخذها ولا جعل له ملكها إلا بإقطاع خليفته ذلك الرجل إياها؟! ولولا ذلك لكان يقول له: وما حاجتك إلى إقطاعي إياك؛ لأن لك أن تحييها دوني وتعمرها فتملكها؛ فدل ذلك أن الإِحياء عند عمر -رضي الله عنه- هو ما أذن الإِمام فيه للذي يتولاه وملكه إياه.
وقد دلَّ على ذلك أيضًا: ما حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أزهر السمان، عن ابن عون، عن محمد، قال: قال عمر -رضي الله عنه-: "لنا رقاب الأرض".
فدلَّ ذلك على أن رقاب الأرضين كلها إلى أئمة المسلمين، وأنها لا تخرج من أيديهم إلا بإخراجهم إياها إلى من رأوا؛ على حسن النظر منهم للمسلمين في عمارة بلادهم وصلاحها.
وهذا قول أبي حنيفة -رضي الله عنه- وبه نأخذ.
ش: ذكر هذا عمر -رضي الله عنه- شاهدًا لما ذكره من المعنى في الأثر السابق المروي عن عمر أيضًا، وتأيبدًا لصحة التأويل الذي أوَّله أبي حنيفة ومن تبعه فيه وفيما يشابهه من الأحاديث المرفوعة.
وأخرج ذلك بإسناد صحيح: عن أبي بشر عبد الملك بن مروان الرقي، عن أبي معاوية محمد بن خازم الضرير، عن أبي إسحاق سليمان بن فيروز الشيباني -بالشين المعجمة- الكوفي، عن محمد بن عبيد الله بن سعيد الثقفي الأعور الكوفي. . . إلى آخره.