يقول: أقسمت بالله، وذلك أن النبي -عليه السلام- قد أمر بإبرار القَسَم، فلو كان قوله:"أقسمت" يمينا لأشبه أن يبَرَّه، وإلى هذا ذهب مالك والشافعي.
وقد يستدل به من يرى القسم يمينًا على وجه آخر، ويقول: لولا أنه يمين ما كان -عليه السلام- يقول له:"لا تقسم"، وإليه ذهب أبو حنيفة.
ص: فذهب قوم إلى كراهة القسم، وقالوا: لا ينبغي لأحد أن يقسم على شيء، وأعظموا ذلك، وكان ممن أعظم ذلك الليث بن سعد: فذكر لي غير واحد من أصحابنا، عن عيسى بن حماد زغبة، قال:"أتيت بكر بن مضر لأعوده فجاء الليث، فهم بالصعود إليه، فقال له بكر: أقسمت عليك أن تفعل، فقال له الليث: أو تدري ما القسم؟ أو تدري ما القسم؟ أو تدري ما القسم؟ ".
ش: أراد بالقوم هؤلاء: الزهري وعبيد الله بن عبد الله والليث بن سعد؛ فإنهم قالوا: لا ينبغي لأحد أن يقسم على شيء، واحتجوا على ذلك بالحديث المذكور.
قوله:"وكان ممن أعظم ذلك" أي كان من الذي أعظم القسم على الشيء الليث بن سعد -رحمه الله-.
قال الطحاوي: ذكر لي غير واحد من أصحابنا عن عيسى بن حماد بن مسلم بن عبد الله التجيبي أبي موسى المصري، الملقب زغبة، شيخ مسلم وأبي داود النسائي وابن ماجه.
وزغبة -بضم الزاي وسكون الغين المعجمتين، وفتح الباء الموحدة- قال: أتيت بكر بن مضر بن محمَّد أبا عبد الملك المصري مولى ربيعة بن شرحبيل بن حسنة الكندي.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فلم يروا بالقسم بأسًا، وجعلوه يمينًا، وحكموا له بحكم اليمين، وقالوا: قد ذكر الله -عز وجل- في غير موضع في كتابه، فقال -عز وجل-: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (١) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} (١)، وقال: