للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: "دخلت مع أبي هريرة دار مروان، فرأى فيها تصاوير، فقال: سمعت رسول الله -عليه السلام- يقول: قال الله -عز وجل-: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقًا كخلقي؟! فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة".

قوله: "ومن أظلم" أي لا أحد أظلم ممن يذهب يخلق -أي يقدر- لأن معنى الخلق في الأصل: التقدير، ومنه حديث أخت أمية بن أبي الصلت قالت: "فدخل علي وأنا أخلق أديمًا" (١) أي أقدره لأقطعه، وحاصل المعني: لا يوجد أحد أكثر ظلمًا من رجل صور صورة شبيهة بالصورة التي صورها البارئ -عز وجل-؛ لأن هذا أمر مختص به، فمن أراد التشبه بذلك فقد ارتكب أمرًا عظيمًا ومحظورًا جسيمًا.

قوله: "فليخلقوا ذرة" أمر تعجيز كما في قوله -عليه السلام-: "أحيوا ما خلقتم" وفيه أيضًا قرع وتبكيت، وتنبيه علي أن هذا الصنيع لا يقدر عليه أحد غير الله، وأنه هو الخالق البارئ المصور، القادر علي جميع الأشياء من غير مادة وآلة واستعانة بأحد، وإنما عَيَّنَ الذرة لأنها أضعف المخلوقات وأصغرها جدًّا، فمن عجز عن تخليق هذا، فما فوقه أعجز، وكذلك تعيين الحبة أو الشعيرة، لكونها أقل الأشياء في الجمادات، كما أن الذرة أضعفها في الحيوانات، والمخلوقات مشتملة علي هذين القسمين.

ص: فذهب ذاهبون إلي كراهة اتخاذ ما فيه الصور من الثياب، وما كان يتوطأ [من] (٢) ذلك ويمتهن، وما كان ملبوسًا، وكرهوا كونه في البيوت، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار.

ش: أراد بهؤلاء الذاهبين: الليث بن سعد والحسن بن يحيى وبعض الشافعية؛ فإنهم كرهوا الصور مطلقًا، سواء كانت على الثياب، أو على الفرش والبسط ونحوهما، واحتجوا في ذلك بعموم الأحاديث المذكورة.


(١) عزاه المناوي في "فيض القدير" (١/ ٨٥) لابن عساكر، وأبي حذيفة في "المبتدأ"، والحديث مشهور في كتب الغريب والمعاجم، انظر "لسان العرب" (١٠/ ٥٨)، و"تاج العروس" (١/ ٦٢٨٩)، و"النهاية" (٢/ ١٤٤).
(٢) في "الأصل، ك": "عن"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".

<<  <  ج: ص:  >  >>