ومنها: أنه مع إثباته مذهب الأحناف وإيراد أدلتهم يذكر أدلة المخالفين في الباب ثم يرجح بينها وينصر مذهب أبي حنيفة غالبًا إلا في مواضع يسيرة.
قال الكوثري: من مصنفات الطحاوي الممتعة: كتاب "معاني الآثار" في المحاكمة بين أدله المسائل الخلافية، يسوق بسنده الأخبار التي يتمسك بها أهل الخلاف في تلك المسائل ويخرج من بحوثه بعد نقدها إسنادًا ومتنًا رواية ونظرًا ما يقنع الباحث المنصف المتبرئ من التقليد الأعمى، وليس لهذا الكتاب نظير في التفقيه، وتعليم طرق التفقه، وتنمية مَلَكة الفقه.
وقد صرح الإِمام الطحاوي في مقدمته بسبب تأليفه للكتاب فقال: سألني بعض أصحابنا من أهل العلم أن أضع له كتابًا أذكر فيه الآثار المأثورة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأحكام التي يتوهم أهل الإلحاد، والضعفة من أهل الإِسلام أن بعضها ينقض بعضًا لقلة علمهم بناسخها ومنسوخها وما يجب عليه به العمل منها لِمَا يشهد له من الكتاب الناطق والسُّنَّة المجتمع عليها، وأجعل لذلك أبوابًا أذكر في كل كتاب منها ما فيه من الناسخ والمنسوخ، وتأويل العلماء، واحتجاج بعضهم علي بعض وإقامة الحجة لمن صح -عندي- قوله منهم بما يصح به مثله من كتاب أو سنة أو إجماع، أو تواتر من أقاويل الصحابة أو تابعيهم، وإني نظرت في ذلك وبحثت بحثًا شديدًا، فاستخرجت منه أبوابًا على النحو الذي سأل وجعلت ذلك كتبًا، ذكرت في كل كتاب منها جنسًا من تلك الأجناس.
قلت: وقد توسع: في دعوى النسخ كثيرًا، وقام بنصرة مذهب أبي حنيفة: وتكلف في كثير من الأحيان تكلفًا شديدًا لنصرة مذهبه.
فتراه في كتابه هذا يبدأ بعدد من الآثار والأدلة التي يذهب إليها المخالف ثم يتبعها بالآثار المعارضة التي يراها هي أولى بالاتباع، ويرجحها، ثم يصرح بأن هذا هو مذهب أبي حنيفة أو أحد أصحابه، أما غير الأحناف فنادرًا ما يصرح باسمهم.