للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: قوله: "لا غول" ليس نَفْيًا لعين الغول أو وجوده، وإنما فيه إبطال زعم العرب في تلونه بالصور المختلفة واغتياله، فيكون المعنى بقوله: "لا غول" أنها لا تستطيع أن تُضل أحدًا، ويشهد له الحديث الآخر: "لا غول ولكن السعالي" والسِّعالي جمع سِعلاة وهي السحرة من الجن، أي ولكن في الجن سحرة لهم تلبيس وتخييل، ومنه الحديث: "إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان" أي ادفعوا شرها بذكر الله، وهذا يدل علي أنه لم يرد بنفيها عدمها، ومنه حديث أبي أيوب - رضي الله عنه -: "كان لي تمر في سهوة، فكان الغول يجيء فيأخذ".

وقال الخطابي: قوله: "لا غول" ليس نفي الغول عينًا وإبطال كونها، وإنما فيه إبطال ما يتحدثون عنها من اختلاف تلونها في الصور المختلفة، وإضلالها الناس عن الطريق، وسائر ما يحكون عنها مما لا نعلم له حقيقة، نقول: لا تصدقوا بذلك ولا تخافوها؛ فإنها لا تقدر علي شيء من ذلك إلا بإذن الله، ويقال: إن الغيلان سحرة الجن؛ تسحر الناس وتفتنهم بالإنحلال عن الطريق. والله أعلم.

قوله: "ولا صفر" كانت العرب تزعم أن في البطن حية يقال لها: الصفر تصيب الإنسان إذا جاع وتؤذيه، وأنها تُعْدِي فأبطل الإِسلام ذلك، وقيل: أراد به النسئ الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية وهو تأخير المحرم إلى صفر ويجعلون صفر هو الشهر الحرام فأبطله، قال الخطابي: حكي أبو عبيد، عن رؤبة بن الحجاج أنه قال: الصفر حية تكون في البطن تصيب الماشية والناس وهي أعدى من الجرب، قال أبو عبيد: فأبطل النبي -عليه السلام- أنها تُعدي.

وقال أبو داود في "سننه" (١): ثنا محمَّد بن المصفى، قال: ثنا بقية، قال: قلت لمحمد بن راشد: قوله: هامة قال: كانت الجاهلية تقول: ليس أحد يموت فيدفن إلا خرج من قبره هامة.

قلت: فقوله: صفر قال: سمعنا أن أهل الجاهلية كانوا يستشئمون بصفر، فقال: النبي -عليه السلام-: لا صفر".


(١) "سنن أبي داود" (٢/ ٤١١ رقم ٣٩١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>