ص: وكان من الحجة لهم في ذلك على أهل المقالة الأولى: أنه قد يجوز أن يكون النبي -عليه السلام- لما علم حاجته أعطاه ما أعطاه من التمر؛ ليستعين به فيما وجب عليه، لا على أنه جميع ما وجب عليه، كالرجل يشكو إليه ضعف حاله وما عليه من الدين، فيقول: خذ هذه العشرة الدراهم فاقض بها دينك، ليس على أنها تكون قضاء عن جميع دينه، ولكن على أن تكون قضاء بمقدارها من دينه.
ش: أي وكان من الدليل والبرهان لهؤلاء الآخرين فيما ذهبوا إليه على أهل المقالة الأولى، وأراد بها الجواب عن الحديث استدلوا به لما ذهبوا إليه وهو ظاهر.
ص: وقد رُوِيَ عن النبي -عليه السلام- مقدارٌ ما يجب من الطعام في كفارة من الكفارات وهي ما تجب في حلق الرأس في الإحرام من أذى، فجعل ذلك مُدّين من حنطة لكل مسكين.
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا بشر بن عمر الزهراني، قال: ثنا شعبة، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني، قال: سمعتُ عبد الله بن مَعْقل يقول: "قعدتُ إلى كعب بن عجرة في المسجد، فسألته عن هذه الآية {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}(١) فقال: فيّ أُنزلت، حُمِلْتُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقمل يتناثر على وجهي، فقال: ما كنت أُرى أن الجهد بلغ بك هذا، أَوَ بَلَغَ بك ما أرى؟ فنزلت فيّ خاصّة، ولكم عامّة، فأمرني أن أحلق رأسي، وأن أنسك نسيكة، أو أصوم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، كل مسكين نصف صاع من حنطة".
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا مؤمل بن إسماعيل، قال: ثنا سفيان الثوري، عن ابن الأصبهاني، عن عبد الله بن مَعْقل، عن كعب بن عجرة، عن النبي -عليه السلام- مثله، غير أنه قال:"وأطعم فرقًا في ستة مساكين".