مع الشاهد -قال عمرو: في الأموال" فجعل هو قول عمرو بن دينار هذا وتأويله له حجة ودليلًا له أن ذلك الحكم في الأموال دون سائر الأشياء، فلئن كان قول عمرو بن دينار هذا وتأويله تجب به حجة، فإن قول سعيد بن المسيب الذي ذكرنا وتأويله فيما روى أحرى أن يكون حجة.
ش: أراد بالمخالف الشافعي، وأراد بهذا الكلام الرد عليه فيما زعم أن مَن روى حديثًا عن رسول الله -عليه السلام- فهو أعلم بتأويله، حتى قال في حديث ابن عباس الذي أخرجه الطحاوي في باب القضاء باليمين مع الشاهد: عن فهد بن سليمان، عن يحيى بن عبد الحميد الحماني، عن زيد بن الحباب، عن سيف بن سليمان المكي، عن قيس بن سعد، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس: "أن النبي -عليه السلام- قضى باليمين مع الشاهد -قال عمرو: في الأموال". يعني عمرو أَوَّلَ هذا الحديث في الأموال دون غيرها، فجعل الشافعي قول عمرو هذا حجة ودليلًا له في أن القضاء باليمين مع الشاهد إنما هو في باب الأموال دون غيرها.
وجه ردِّ الطحاوي ذلك: أنه إذا كان قول عمرو في هذا حجة، لكونه أعلم بتأويل حديثه الذي رواه فكون قول سعيد بن المسيب وتأويله أحرى وأولى أن يكون حجة.
ص: وهذا المخالف لنا فقد زعم أنه يقول بالاتباع، فعن مَنْ أخذ قوله هذا؟ أو مَن إمامه فيه؟ وقد روينا عن رسول الله -عليه السلام- خلافه، وعن تابعي أصحابه خلافه أيضًا.
ش: أي زعم الشافعي أنه يقول بالاتباع للأحاديث والآثار, ولهذا ينقل عنه أنه قال: كل ما صح من الحديث فهو مذهبي، وقد ترك الاتباع في مسألة الرهن إذا هلك عند المرتهن، وذهب إلى قول لا يُدرى عَمَّن أخذه، ولا مَنْ إمامه فيه؟.
فإن قيل: اتبع هاهنا حديث ابن المسيب المخرج مرسلًا وموصلًا كما ذكرناه.
قيل له: قد بَيَّنَا أنه أول الحديث بتأويل أنكره عليه أهل العلم باللغة والنقل، فلم يبق له دليل يُعتمد عليه، ولا برهان يقوم به الحكم.