للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو ومعاذ بن جبل - رضي الله عنهما - لما سألا رسول الله -عليه السلام- عن البِتع قال لهما: "اشربا ولا تسكرا" وفي رواية قال: "اشربا، ولا تشربا مسكرًا" فدل ذلك أن المنهي هو المقدار الذي يُسكر لا مطلق الشراب؛ لأنه أباح لهما الشرب من البتع ونحوه بشرط عدم الإسكار، ودل أيضًا أن ما روى أبو موسى [عن النبي] (١) -عليه السلام- من قوله: "كل مسكر حرام" على ما مضى ذكره في هذا الباب إنما هو القدر الذي يُسكر لا مطلق الشراب، فلو لم يذهب إلى هذا التأويل يلزم التضاد بين حديث عائشة الذي فيه جواب النبي -عليه السلام- للذي سأله عن البتع بقوله: "كل شي أسكر فهو حرام" وبين حديث أبي موسى هذا، يظهر ذلك بالتأمل، والأولى -بل الأوجب- تنزيل معاني الآثار على الوجوه التي لا تتضاد إذا حملت عليها. وفيما ذكرنا من التأويل تتفق معاني الآثار، ويطابق بعضها بعضًا.

ثم إنه أخرج حديث أبي موسى من ثلاث طرق:

الأول: عن علي بن معبد بن نوح المصري، عن يونس بن محمد المؤدب البغدادي، عن شريك بن عبد الله النخعي، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن أبي بردة عامر بن أبي موسى، عن أبيه أبي موسى الأشعري.

وذكره ابن حزم في "المحلى" (٢) ثم قال: وهذا لا يصح؛ لأنه من طريق شريك، وشريك مدلس وضعيف فسقط. وقد رواه الثقات بخلاف هذا كما روينا من طريق عمرو بن دينار وزيد بن أبي أنيسة وشعبة بن الحجاج، كلهم عن سعيد بن أبي بردة، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري، عن النبي -عليه السلام- قال: "كل مسكر حرام، كل ما أسكر عن الصلاة فهو حرام، أنهى عن كل مسكر أسكر عن الصلاة"، فهذا هو الحق الثابت، لا رواية كل ضعيف ومدلس وكذاب ومجهول.


(١) ليست في "الأصل، ك" والسياق يقتضيها.
(٢) "المحلى" (٧/ ٤٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>