للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة أنه قال: "إذا أطعمك أخوك المسلم طعامًا فكل، وإذا سقاك شرابًا فاشرب، وإن رابك فأشجه بالماء".

قال ابن حزم: هذا خبر صحيح.

قوله: "فاشججه" بالشين المعجمة والجيمين، من شَجَّ الشراب: إذا مزجه بالماء.

فإن قيل: صح عن أبي هريرة من قوله -عليه السلام-: "كل مسكر حرام" فهذا ينافي ما روي عنه من المذكور.

قلت: لا منافاة؛ لأنا قد ذكرنا أن المراد من قوله -عليه السلام-: "كل مسكر حرام" هو القدر المسكر، ويؤيد ذلك ما رواه وكيع، عن علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي لبيد، عن سالم، سمع أبا هريرة يقول: "مَن رابه من نبيذه فليسنّ عليه الماء، فيذهب حرامه ويبقي حلاله"، والله أعلم.

ص: فإن قال قائل: إنما أباحه بعد كسره بالماء وذهاب شدته.

قيل له: هذا كلام فاسد؛ لأنه لو كان في حال شدته حرامًا لكان لا يحل وإن ذهبت شدته بصب الماء عليه، ألا ترى أن خمرًا لو صُبَّ فيها ماء حتى غلب الماء عليها أن ذلك الماء حرام.

فلما كان قد أبيح في هذا الحديث الشراب الشديد إذا كُسر بالماء؛ ثبت بذلك أنه قبل أن يكسر بالماء غير حرام، فقد ثبت بما روينا في هذا الباب إباحة ما لا يُسكر من النبيذ الشديد، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.

ش: تقرير السؤال أن يقال: إن حديث أبي هريرة المذكور لا يدل على إباحة شرب القليل من النبيذ المشتد مطلقًا؛ لأنه إنما أباح -عليه السلام- شربه بعد كسره بالماء وذهاب شدته، فدل على أنه قبل ذلك غير مباح.

والجواب ظاهر.

قوله: "في هذا الحديث" أراد به حديث أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>