قوله:"اشتروا أنفسكم من الله" قد تكون بمعنى بيعوا؛ قال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ}(١) وقد يكون على وجه: أن أنقذوها من عذابه.
ص: فنظرنا في قول من بدأ منهم مَن قرب رحمه على مَن هو أبعد رحمًا منه؛ فوجدنا رسول الله -عليه السلام- لما قسم سهم ذوي القربى عمَّ به بني هاشم وبني المطلب، وبعض بني هاشم أقرب إليه من بعض، وبعض بني المطلب أيضًا أقرب إليه من بعض، وبنو هاشم أقرب إليه من بني المطلب، فلما لم يقدم رسول الله -عليه السلام- في ذلك مَنْ قَربت رحمه منه على مَن هو أبعد إليه رحمًا منه، وجعلهم كلهم قرابة له يستحقون ما جعل الله -عز وجل- لقرابته فكذلك من قربت رحمه في الوصية لقرابة فلان لا يستحق بقرب رحمه منه شيئًا مما جعل الله لقرابته إلا كما يستحق سائر قرابته ممن رحمه منه أبعد من رحمه؛ فهذه حجة.
ش: لما أبطل الطحاوي -رحمه الله-: المقالة الرابعة بقوله: فبطل بذلك قول أهل هذه المقالة. وأشار إلى ثبوت إحدى المقالات الأخر بقوله: وثبت إحدى المقالات الأخر وهي المقالة الأولى والثانية والثالثة والخامسة؛ بيَّن هاهنا تلك المقالة الصحيحة التي كان نص عليها مجملًا؛ وذلك بطريق الاستنباط من الأحاديث المذكورة فنص أن المقالة الصحيحة من تلك المقالات الخمس هي المقالة الخامسة وهي التي ذهب إليها مالك والشافعي وأحمد، وأوضح بطلان بقية المقالات التي ذهب إليها أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر وغيرهم، وهذا الذي سلكه هو طريق المجتهدين المستنبطين للأحكام من الكتاب والسنة، ألا ترى أن اجتهاده لما أدى إلى ما نص عليه بطريق الاستنباط الصحيح من الأحاديث المذكورة ترك تقليده لأبي حنيفة وصاحبيه.
وأيضًا فهذا يدل على أنه لا يقلد أحدًا إلا فيما وافق اجتهاد ذلك المقلَّد اجتهاده، حتى إذا كان اجتهاد ذلك المقلَّد خلاف ما أدى إليه اجتهاده ترك ذلك