ص: فكان من الحجة للآخرين على أهل هذه المقالة: أن عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - قد أخبر في حديثه هذا أنهم كانوا يتوارثون بالتعاقد دون الأنساب، فأنزل الله -عز وجل- ردًّا لذلك:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}(١) فكان في هذه الآية دفع الميراث بالمعاقدة وإيجابه لذوي الأرحام دونهم، ولم يبين لنا في هذه الآية أن ذوي الأرحام هم العَصَبَة أو غيرهم، فقد يحتمل أن يكونوا هم العَصَبَة، وقد يحتمل أن يكون كل ذي رحم على ما جاء في تفصيل المواريث في غير هذا الحديث، فلما كان ما ذكرنا كذلك، ثبت أن لا حجة لأحد الفريقين في هذا الحديث، وإنما هذا الحديث حجة على ذاهب لو ذهب إلى ميراث المتعاقدين بعضهم من بعض لا غير ذلك، فهذا معنى حديث ابن الزبير - رضي الله عنهما -.
ش: أي فكان من الدليل والبرهان للجماعة الآخرين، وأراد بها الجواب عما احتج به الشافعي في منع استدلال أبي حنيفة ومن تبعه بقوله تعالى:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}(١).
بيانه: أن عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - أخبر في حديثه المذكور أن هذه الآية الكريمة نزلت في منع الميراث بالمعاقدة وإيجابه لذوي الأرحام، ولكن لم يبين في الآية أن ذوي الأرحام هم العَصَبَة أو غيرهم، وفيها احتمال للمعنيين.
فإذا كان كذلك لا يكون فيها حجة لأحد الفريقين على الآخر في الصورة المتنازع فيها، وإنما يكون حجة عل مَن يذهب إلى ميراث المتعاقدين بعضهم من بعض لا غير ذلك.
قلت: يمكن أن نقول: لما بينت الآية التوارث لذوي الأرحام من غير فصل بين ذي رحم له فرض وتعصيب أو ليس له ذلك، تناولت الكل بطريق العموم والشمول، واعترض عليه بأن المراد به من له فرض أو تعصيب بقوله: {فِي