قلت: الحالة تدل على هذا, ولا سيما ورد في رواية أبي معاوية، في تخريج الترمذي:"توضئي لكل صلاة" وفي رواية أبي حنيفة ومن تابعه أيضًا: "ثم توضئي عند كل صلاة"، وفي حديث عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جده:"وتتوضأ لكل صلاة".
ص: فقد ثبت بما ذكرنا صحة الرواية عن النبي - عليه السلام - في المستحاضة أنها تتوضأ في حال استحاضتها لكل صلاة، إلا أنه قد رُوي عن النبي - عليه السلام - ما قد تقدم ذكرنا في هذا الباب، فأردنا أن ننظر في ذلك لنعلم ما الذي ينبغي أن نعمل به من ذلك؟ فكان ما رُوي عن النبي - عليه السلام - مما رويناه في أول هذا الباب:"أنه أمر أم حبيبة بنت جحش بالغسل عند كل صلاة" فقد ثبت نسخ ذلك بما قد رويناه عن النبي - عليه السلام - في الفصل الثاني من هذا الباب في حديث ابن أبي داود عن الوهبي في أمر سهلة بنت سهيل؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أمرها بالغسل لكل صلاة، فلما جهدها ذلك أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل، وبين المغرب والعشاء بغسل، وتغتسل للصبح غسلا، فكان ما أمرها به من ذلك ناسخا لما كان أمرها به قبل ذلك من الغسل لكل صلاة، فأرنا أن ننظر فيما رُوي في ذلك، كيف معناه؟ فإذا عبد الرحمن بن القاسم قد روى عن أبيه في المستحاضة التي استحيضت في عهد النبي - عليه السلام - فاختلف عن عبد الرحمن في ذلك؛ فروى الثوري عنه، عن أبيه، عن زينب بنت جحش:"أن النبي - عليه السلام - أمرها بذلك، وأن تدع الصلاة أيام أقرائها" ورواه ابن عيينة عن عبد الرحمن أيضا، عن أبيه، ولم يذكر زينب، إلا أنه وافق الثوري في معنى متن الحديث، فكان ذلك على الجمع بين كل صلاتين بغسل في أيام المستحاضة خاصة.
فثبت بذلك أن أيام الحيض كان موضعها معروفا، ثم جاء شعبة فرواه عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، كما رواه الثوري وابن عيينة، غير أنه لم يذكر أيام الأقراء، وتابعه على ذلك محمَّد بن إسحاق.